وعنه أيضا قال: يعني مدّ بصرك ما بينك وبين الحيرة، وهو يومئذ في كندة.
وعن قتادة: هو أن يبعث رسولا الى منتهى طرفه فلا يرجع حتى يؤتى به.
فَلَمَّا رَآهُ يعني رأى سليمان (عليه السلام) العرش مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ محمولا إليه من مأرب الى الشام في قدر ارتداد الطرف قالَ هذا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ نعمته أَمْ أَكْفُرُ ها فلا أشكرها وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ لم ينفع بذلك غير نفسه حيث استوجب بشكره تمام النعمة ودوامها لأنّ الشكر قيد للنعمة الموجودة وصيد للنعمة المفقودة.
وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ بالإفضال على من كفر نعمه.
قالَ نَكِّرُوا غيّروا لَها عَرْشَها فزيدوا فيه وأنقصوا منه واجعلوا أعلاه أسفله وأسفله أعلاه نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي الى عرشها فتعرفه أَمْ تَكُونُ مِنَ الجاهلين به الَّذِينَ لا يَهْتَدُونَ إليه، وإنما حمل سليمان (عليه السلام) على ذلك، كما ذكره وهب ومحمد بن كعب وغيرهما من أهل الكتب: إنّ الشياطين خافت أن يتزوجها سليمان فتفشي إليه أسرار الجن، ولا ينفكّون من تسخير سليمان وذرّيته من بعده، فأرادوا أن يزهّدوه فيها فأساؤوا الثناء عليها وقالوا: إنّ في عقلها شيئا وإنّ رجلها كحافر الحمار، فأراد سليمان (عليه السلام) أن يختبر عقلها بتنكير عرشها، وينظر الى قدميها ببناء الصرح، فَلَمَّا جاءَتْ بلقيس قِيلَ لها أَهكَذا عَرْشُكِ قالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ شبّهته به وكانت قد تركته خلفها في بيت خلف سبعة أبواب مغلقة والمفاتيح معها فلم تقرّ بذلك ولم تنكر، فعلم سليمان (عليه السلام) كمال عقلها.
قال الحسن بن الفضل: شبّهوا عليها فشبّهت عليهم وأجابتهم على حسب سؤالهم، ولو قالوا لها: هذا عرشك لقالت: نعم فقال سليمان (عليه السلام) وَأُوتِينَا الْعِلْمَ بالله وبقدرته على ما شاء من قبل هذه المرأة وَكُنَّا مُسْلِمِينَ هذا قول مجاهد وقال بعضهم: معناه وَأُوتِينَا الْعِلْمَ بإسلامها ومجيئها طائعة وقبل مجيئها، وَكُنَّا مُسْلِمِينَ طائعين خاضعين.
وقال بعضهم: هذا من قول بلقيس لمّا رأت عرشها عند سليمان (عليه السلام) قالت:
عرفت هذه، وَأُوتِينَا الْعِلْمَ بصحة نبوة سليمان (عليه السلام) بالآيات المتقدمة من قبل هذه الآية وذلك بما اختبرت من أمر الهديّة والرسل، وَكُنَّا مُسْلِمِينَ أي منقادين لك مطيعين لأمرك من قبل أن جئناك.
وَصَدَّها ومنعها ما كانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وهو الشمس بأن تعبد الله، وعلى هذا القول يكون (ما) في محل الرفع.