للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الصور فيضعه على فيه، ثمّ يدعو الله الأرواح فيؤتى بها، تتوهّج أرواح المؤمنين نورا والأخرى ظلمة، فيقبضها جميعا ثمّ يلقيها على الصور، ثمّ يأمر الله سبحانه إسرافيل أن ينفخ نفخة للبعث فتخرج الأرواح كأنّها النحل قد ملأت ما في السماء والأرض، فيقول الله سبحانه: ليرجعنّ كلّ روح إلى جسده، فتدخل الأرواح الخياشم، ثمّ تمشي في الأجساد كما يمشي السمّ في اللديغ.

ثمّ تنشق الأرض عنهم سراعا، فأنا أوّل من ينشق عنه الأرض، فتخرجون منها إلى ربّكم تنسلون عراة حفاة عزّلا مهطعين إلى الداعي، فيقول الكافرون: هذا يَوْمٌ عَسِرٌ» [١٢٤] .

قوله عزّ وجل: فَفَزِعَ أي فيفزع، والعرب تفعل ذلك في المواضع التي يصلح فيها أذا، لأنّ إذا يصلح معها فعل ويفعل كقولك: أزورك إذا زرتني، وأزورك إذا تزورني. مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شاءَ اللَّهُ أن لا يفزع وقد ذكرنا في الخبر الماضي أنّهم الشهداء وَكُلٌّ أَتَوْهُ داخِرِينَ قرأ الأعمش وحمزة وخلف وحفص أَتَوْهُ مقصورا على الفعل بمعنى جاءوه عطفا على قوله: فَفَزِعَ وأَتَوْهُ اعتبارا بقراءة ابن مسعود.

أخبرنا محمّد بن نعيم قال: حدّثنا الحسين «١» بن أيّوب قال: حدّثنا علي بن عبد العزيز قال: حدّثنا أبو عبيد قال: حدّثنا هشام، عن مغيرة، عن إبراهيم، وأخبرنا محمّد بن عبدوس قال: حدّثنا محمّد بن يعقوب قال: حدّثنا محمّد بن الجهم قال: حدّثنا الفرّاء قال: حدّثني عدّة، منهم المفضل الضبي وقيس وأبو بكر كلّهم عن جحش بن زياد الضبي كلاهما عن تميم بن حذلم قال: قرأت على عبد الله بن مسعود وَكُلٌّ أَتَوْهُ داخِرِينَ بتطويل الألف، فقال: وَكُلٌّ أَتَوْهُ قصره

وقرأ الباقون بالمدّ وضمّ التاء على مثال فاعلوه كقوله: وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَرْداً «٢» وهي قراءة علي رضي الله عنه

داخِرِينَ صاغرين.

قوله تعالى: وَتَرَى الْجِبالَ يا محمّد تَحْسَبُها جامِدَةً قائمة واقفة مستقرّة مكانها.

وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ حين تقع على الأرض فتستوي بها.

قال القتيبي: وذلك أنّ الجبال تجمع وتسير وهي في رؤية العين كالواقفة وهي تسير، وكذلك كلّ شيء عظيم وكلّ جمع كثير يقصر عنه البصر لكثرته وعظمته ويعد ما بين أطرافه فهو في حسبان الناظر واقف وهو يسير، وإلى هذا ذهب الشاعر في وصف جيش:

يا رعن مثل الطود تحسب أنّهم ... وقوف لحاج والركاب تهملج «٣»

صُنْعَ اللَّهِ نصب على المصدر وقيل: على الإغراء أي اعلموا وأبصروا الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ


(١) في النسخة الثانية: الحسن.
(٢) سورة مريم: ٩٥.
(٣) لسان العرب: ٣/ ٢٤٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>