للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنَ النَّاسِ ما وَلَّاهُمْ صرفهم وحوّلهم.

عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا عَلَيْها من بيت المقدس. نزلت في اليهود ومشركي العرب بمكّة ومنافقي المدينة طعنوا في تحويل القبلة وقال مشركوا مكّة: قد تردّد على محمّد أمره واشتاق إلى مولده ومولد آباءه قد توجّه نحو قبلتكم وهو راجع إلى دينكم عاجلا.

قال الله قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ ملكا والخلق عبيده يحولهم كيف شاء.

يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً عدلا خيارا. تقول العرب: انزل وسط الوادي: أي تخيّر موضعا فيه، ويقال لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم هو وسط قريش نسبا أي خيرهم: قال الله تعالى قالَ أَوْسَطُهُمْ «١» ، أي أخيرهم وأعدلهم، وأصله هو أنّ خير الأشياء أوسطها. قال زهير:

هم وسط ترضى الأنام لحكمهم ... إذا نزلت احدى الليالي بمعظم

وقال الكلبي: يعني متوسطة أهل دين وسط بين الغلو والتقصير لأنّهما مذمومان في الدّين.

قال ثعلب: يقال: جلس وسط القوم ووسط الدّار، وكذلك فيما يحتمل البينونة [واحتمل وسطا له] «٢» بالفتح وكذلك فيما لا يحتمل البينونة.

نزلت هذه الآية في مرحب وربيع وأصحابهما من رؤساء اليهود قالوا لمعاذ بن جبل: ما ترك محمّد قبلتنا إلّا حسدا، وإنّ قبلتنا قبلة الأنبياء، ولقد علم محمّد إنّا عدل بين النّاس. فقال معاذ: إنّا على حق وعدل. فأنزل الله وَكَذلِكَ أي وهكذا، وقيل الكاف فيه للتشبيه تقديره:

وكما اخترنا إبراهيم وذريته واصطفيناهم كَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً. مردودة على قوله وَلَقَدِ اصْطَفَيْناهُ فِي الدُّنْيا «٣» الآية.

لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ يوم القيامة أنّ الرّسل قد أبلغتهم.

وَيَكُونَ الرَّسُولُ محمّد صلّى الله عليه وسلّم. عَلَيْكُمْ شَهِيداً معدلا مزكّيا لكم وذلك إنّ الله تعالى جمع الأولين والآخرين في صعيد واحد يسمعهم الدّاعي، وينقذهم البصر ثمّ يقول كفّار الأمم.

أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ فتشكرون، ويقولون: ما جاءنا من نذير.

فيسأل الأنبياء عن ذلك فيقولون: قد كذّبوا، قد بلغناهم وأعذرنا إليهم: فيسألهم البيّنة، وهو أعلم بإقامة الحجة. فيؤتى بأمّة محمّد صلّى الله عليه وسلّم فيشهدون لهم. إنّهم قد بلغوا. فتقول الأمم الماضية: من أين علموا بذلك وبيننا وبينهم مدة مريدة؟


(١) سورة القلم: ٢٨.
(٢) كلام غير مقروء وما أثبتناه هو الظاهر.
(٣) سورة البقرة: ١٣٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>