للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

معه جوابان: أحدهما يشتركوا لأن يقولوا «١» ، والثاني: على التكرير تقديره: أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أحسبوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ لا يبتلون ليظهر المخلص من المنافق، وقيل:

يُفْتَنُونَ يصابون بشدائد الدنيا، يعني: أنّ البلاء لا يدفع عنهم في الدنيا لقولهم: آمَنَّا.

واختلفوا في سبب نزول هذه الآية، فقال ابن جريج وابن عمير: نزلت في عمار بن ياسر إذ كان يعذّب في الله.

وقال الشعبي: نزلت هاتان الآيتان في أناس كانوا بمكة قد أقروا بالإسلام، فكتب إليهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلّم من المدينة إنّه لا يقبل منكم إقرار بإسلام حتى تهاجروا، فخرجوا عائدين إلى المدينة، فاتبعهم المشركون فردوهم، فنزلت فيهم هذه الآية، فكتبوا إليهم إنّه قد نزلت فيكم آية كذا وكذا، فقالوا: نخرج، فإن اتبعنا أحد قاتلناه. فخرجوا، فاتبعهم المشركون، فقاتلوهم، فمنهم من قتل ومنهم من نجا، فأنزل الله سبحانه فيهم هاتين الآيتين،

وقال مقاتل:

نزلت في مهجع بن عبد الله مولى عمر بن الخطاب كان أول قتيل يوم بدر رماه عامر بن الحضرمي بسهم فقتله، فقال النبي صلى الله عليه وسلّم: «يومئذ سيد الشهداء مهجع وهو أول من يدعى إلى باب الجنة من هذه الأمة» [١٣٩] «٢» ، فجزع عليه أبواه وامرأته، فأنزل الله سبحانه فيهم هذه الآية

وأخبر أنّه لا بد لهم من البلاء والمشقة في ذات الله تعالى، وقيل: وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ بالأوامر والنواهي.

ثم عزّاهم، فقال عز من قائل: وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكاذِبِينَ والله تعالى عالم بهم قبل الاختبار، وعلمه قديم تام، وإنّما معنى ذلك:

فليظهرنّ الله تعالى ذلك حتّى يوجد معلومة.

قال مقاتل: فليرين الله، الأخفش: فليميزنّ الله.

وقال القتيبي: علم الله سبحانه نوعان: أحدهما: علم شيء كان يعلم إنّه كان، والثاني:

علم شيء يكون، فعلم إنّه يكون وقت كذا ولا يعلمه كائنا واقعا إلّا بعد كونه ووقوعه، بيانه قوله سبحانه: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ «٣» أي نعلم المجاهدين منكم مجاهدين ونعلم الصابرين صابرين، فكذلك هاهنا فليعلمنّ الله ذاك موجودا كائنا وهذا سبيل علم الله في الاستقبال.

أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ الشرك «٤» أَنْ يَسْبِقُونا يعجزونا ويقولوا ما بأنفسهم


(١) في نسخة أصفهان: أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا.
(٢) تفسير القرطبي: ١٣/ ٣٢٤.
(٣) سورة محمّد: ٣١.
(٤) في نسخة أصفهان: أي السوء.

<<  <  ج: ص:  >  >>