لي، فقال: ويحك يا حيي، إنّك امرؤ ميشوم، إنّي قد عاهدت محمّدا فلست بناقض ما بيني وبينه، ولم أر منه إلّا وفاء وصدقا.
قال: ويحك افتح لي أكلّمك. قال: ما أنا بفاعل. قال: والله إن غلقت دوني إلّا على حشيشتك أن آكل معك منها، فاحفظ الرجل ففتح له. فقال: يا كعب، ويحك جئتك بعزّ الدهر، وبحر طم، جئتك بقريش على قادتها وسادتها حتى أنزلتهم بمجتمع الأسيال من دونه، وبغطفان على قادتها وسادتها حتى أنزلتهم بذنب مقمي إلى جانب أحد، قد عاهدوني وعاقدوني أن لا يبرحوا حتى يستأصلوا محمّد ومن معه.
فقال له كعب بن أسد: جئتني والله بذلّ الدهر، بمجهام قد اهراق ماؤه يرعد ويبرق وليس فيه شيء، فدعني ومحمّدا وما أنا عليه، ولم أر من محمّد إلّا صدقا ووفاء.
فلم يزل حيي بن أخطب بكعب يقبله في الذروة والغارب حتى يسمح له على أن أعطاه عهدا من الله وميثاقا، لئن رجعت قريش وغطفان ولم يصيبوا محمّدا أن أدخل معك في حصّتك حتى يصيبني ما أصابك، فنقض كعب بن أسد عهده وبرئ ممّا كان عليه فيما بينه وبين رسول الله صلّى الله عليه وسلم.
فلمّا انتهى إلى رسول الله صلّى الله عليه الخبر وإلى المسلمين، بعث رسول الله صلّى الله عليه سعد بن معاذ بن النعمان بن امرئ القيس أحد بني عبد الأشهل وهو يومئذ سيّد الأوس وسعد بن عبادة بن دليم أحد بني ساعدة بن كعب بن الخزرج وهو يومئذ سيّد الخزرج، ومعهما عبد الله بن رواحة أخو الحارث بن الخزرج، وخوات بن جبير أخو بني عمرو بن عوف.
فقال: انطلقوا حتى تنظروا أحقّ ما بلغنا عن هؤلاء القوم؟ فإن كان حقّا فالحنوا إليّ لحنا نعرفه ولا تفتّوا أعضاد الناس، وإن كانوا على الوفاء فيما بيننا وبينهم فاجهروا به للناس، فخرجوا حتى أتوهم فوجدوهم على أخبث ما بلغهم عنهم وقالوا: من رسول الله؟ وقالوا: لا عقد بيننا وبين محمّد ولا عهد، فشاتمهم سعد بن عبادة وشاتموه، وكان رجلا فيه حدّ فقال له سعد بن معاذ: دع عنك مشاتمتهم فما بيننا وبينهم أربى من المشاتمة، ثمّ أقبل سعد وسعد ومن معهما إلى رسول الله صلّى الله عليه فسلّموا عليه ثمّ قالوا: عضل والقارة أي كغدر عضل والقارة بأصحاب رسول الله صلّى الله عليه أصحاب الرجيع خبيب بن عدي وأصحابه.
فقال رسول الله صلّى الله عليه: الله أكبر، أبشروا يا معشر المسلمين. وعظم عند ذلك البلاء واشتدّ الخوف وأتاهم عدوّهم من فوقهم ومن أسفل منهم حتى ظنّ المؤمنون كلّ ظنّ، ونجم النفاق من بعض المنافقين حتى قال لهم معتب بن قشير أخو بني عمرو بن عوف: كان محمد يعدنا أن نأكل كنوز كسرى وقيصر، وأحدنا لا يقدر على أن يذهب إلى الغائط «١»
(١) بطوله في تفسير الطبري: ٢١/ ١٥٧. ١٥٩، مورد الآية.