للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَنْ يَمِينٍ من أتاهما وَشِمالٍ وعن شماله كُلُوا: وقيل لهم: كلوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ على ما أنعم عليكم، وإلى ها هنا تم الكلام ثم ابتدأ فقال: بَلْدَةٌ أي هذه بلدة أو بلدتكم بلدة طَيِّبَةٌ ليست بسبخة. قال ابن زيد: لم يكن يرى في بلدتهم بعوضة قط ولا ذباب ولا برغوث ولا عقرب ولا حية، وإن كان الركب ليأتون وفي ثيابهم القمل والدواب فما هو إلّا أن ينظروا لي بيوتهم فتموت الدواب، وإن كان الإنسان ليدخل الجنتين فيمسك القفة على رأسه فيخرج حين يخرج وقد امتلأت تلك القفة من أنواع الفواكه ولم يتناول منها شيئا بيده فذلك قوله سبحانه: بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ الهواء، وَرَبٌّ غَفُورٌ الخطأ كثير العطاء.

قوله تعالى: فَأَعْرَضُوا، قال وهب: بعث الله إلى سبأ ثلاثة عشر نبيا فدعوهم إلى الله، وذكروهم نعمه عليهم، وأنذروهم عقابه، فكذبوهم وقالوا: ما نعرف لله علينا نعمة. فقولوا لربكم الذي تزعمون فليحبس هذه النعمة عنا إن استطاع، فذلك قوله عز وجل: فَأَعْرَضُوا.

فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ، والعرم: السد والمسناة التي تحبس الماء واحدتها عرمة، وأصلها من العرامة وهي الشدة والقوة.

وقال ابن عباس ووهب وغيرهما: كان هذا السد يسقي جنتيهم، وكان فيما ذكر بنته بلقيس وذلك أنها لما ملكت جعل قومها يقتتلون على ماء واديهم فجعلت تنهاهم فلا يطيعونها، فتركت ملكها وانطلقت إلى قصر لها فنزلته، فلما كثر الشر بينهم وندموا أتوها فأرادوها على أن ترجع إلى ملكها فأبت، فقالوا: لترجعنّ أو لنقتلنّك. فقالت: إنكم لا تطيعونني وليست لكم عقول.

قالوا: فإنا نطيعك فإنا لم نجد فينا خيرا بعدك. فجاءت فأمرت بواديهم فسد بالعرم وهو المسناة بلغة حمير، فسدت ما بين الجبلين بالصخر والقار، وجعلت له أبوابا ثلاثة بعضها فوق بعض، وبنت من دونه بركة ضخمة، فجعلت فيها اثني عشر مخرجا على عدة أنهارهم، فلما جاء المطر اجتمع إليه ماء الشجر وأودية اليمن، فاحتبس السيل من وراء السد فأمرت بالباب الأعلى ففتح فجرى ماؤه في البركة وأمرت بالبعر فألقي فيها، فجعل بعض البعر يخرج أسرع من بعض، فلم تزل تضيق تلك الأنهار وترسل البعر في الماء حتى خرجت جميعا معا فكانت تقسمه بينهم على ذلك، حتى كان من شأنها وشأن سليمان ما كان.

وبقوا على ذلك بعدها، وكانوا يسقون من الباب الأعلى، ثم من الباب الثاني، ثم من الباب الأسفل ولا ينفد الماء، حتى يؤوب الماء من السنة المقبلة.

فلما طغوا وكفروا، سلط الله عليهم جرذا يسمى الخلد فنقب من أسفله، فغرّق الماء جناتهم وخرب أرضهم.

وقال وهب: وكانوا فيما يزعمون يجدون في علمهم وكهانتهم أنه يخرب سدهم ذلك فأرة، فلم يتركوا فرجة بين حجرين إلّا ربطوا عندها هرة، فلما جاء زمان وما أراد الله بهم من التفريق

<<  <  ج: ص:  >  >>