للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فعزى نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ. يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ، قراءة العامة بفتح الغين، وهو الشيطان، وأخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا ابن حبيش قال: حدّثنا أبو القاسم بن الفضل قال:

حدّثنا أبي قال: حدّثنا أحمد بن يزيد المقري عن محمد بن المصفى عن أبي حياة، قرأ: وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغُرُورُ برفع الغين، وهي قراءة ابن السماك العدوي يدل عليه وما حدثنا.

قال: أخبرنا عبد الله بن حامد محمد بن خالد قال: أخبرنا داود بن سليمان قال: أخبرنا عبد بن حميد عن يحيى بن عبد الحميد عن ابن المبارك عن عبد الله بن عقبة عن عطاء بن دينار عن سعيد بن جبير: لا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ قال: أن يعمل المعصية ويتمنّى العفو.

إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا: فعادوه ولا تطيعوه إِنَّما يَدْعُوا حِزْبَهُ: أشياعه وأولياءه لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحابِ السَّعِيرِ ليسوقهم إلى النار، فهذه عداوته ثم بيّن حال موافقيه ومخالفيه فقال عزّ من قائل: الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ.

قوله: فَمَنْ زُيِّنَ لَهُ أي شبّة وموّه وحسّن له سُوءُ: قبح عَمَلِهِ وفعله فَرَآهُ حَسَناً زين ذلك الشيطان بالوسواس ونفسه تميله إلى الشبهة وترك النظر في الحجة المؤدية إلى الحق، والله سبحانه وتعالى يخلقه ذلك في قلبه، وجوابه محذوف مجازه: أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ كمن لم يزين له سوء عمله ورأى الحق حقا والباطل باطلا؟ نظيره قوله: أَفَمَنْ هُوَ قائِمٌ عَلى كُلِّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ «١» ، وقوله أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ «٢» ونحوها.

وقيل: معناه: أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فأضلّه الله كمن هداه؟ دليله قوله: فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ.

وقيل: معناه تحت قوله: فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ، فيكون معناه: أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فأضله الله ذهبت نفسك عليه حسرة، أي تتحسف عليه؟ فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ، وقال الحسين بن الفضل: فيه تقديم وتأخير، مجازه: أفمن زيّن له سوء عمله فرآه حسنا فلا تذهب نفسك عليهم حسرات فإنّ الله يضلّ من يشاء ويهدي من يشاء، والحسرة: شدة الحزن على ما فات من الأمر.

وقراءة العامة: (تَذْهَبْ نَفْسُكَ) : بفتح التاء والهاء وضم السين، وقرأ أبو جعفر بضم التاء وكسر الهاء وفتح السين، ومعنى الآية: لا تغتم بكفرهم وهلاكهم إذ لم يؤمنوا، نظيره فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ «٣» .


(١) سورة الرعد: ٣٣.
(٢) سورة الزمر: ٩.
(٣) سورة الكهف: ٦، الشعراء: ٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>