للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إِلَيْهِ أي إلى الله، ومعناه: إلى محل القبول وإلى حيث لا يملك فيه الحكم إلّا الله عز وجل، وهو كما يقال: ارتفع أمرهم إلى القاضي. يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ يعني: «لا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ» وكل ذكر مرضي لله تعالى، وقرأ أبو عبد الرّحمن: (الكلام الطيب) ،

وأخبرني أبو عبد الله الحسين بن محمد بن عبد الله الدينوري قال: حدثنا أبو جعفر محمد بن محمد بن أحمد الهمداني قال: أخبرنا أبو الحسن أحمد بن محمد المسكين البصري عن أحمد بن محمد المكي عن علي بن عاصم عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلّى الله عليه وسلم: في قول الله تعالى: إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ قال: «هو قول الرجل: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلّا الله والله أكبر، إذا قالها العبد عرج بها ملك إلى السماء فحيا بها وجه الرّحمن عزّ وجل، فإذا لم يكن عمل صالح لم يقبل منه» [٤٨] .

واختلف العلماء في حكم هذه الكناية ومعنى الآية، فقال أكثر المفسرين: الهاء في قوله:

يَرْفَعُهُ راجعة إلى الْكَلِمُ الطَّيِّبُ، يعني أنّ العمل الصالح يرفع الكلم فلا يقبل القول إلّا بالعمل، وهذا اختيار نحاة البصرة، وقال الحسن وقتادة: الْكَلِمُ الطَّيِّبُ: ذكر الله وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ أداء فرائضه. فمن ذكر الله ولم يؤدّ فرائضه زاد كلامه على عمله، وليس الإيمان بالتمنّي ولا بالتحلي، ولكن ما وقر في القلب وصدقته «١» الأعمال. فمن قال حسنا وعمل غير صالح ردّ الله عليه قوله، ومن قال حسنا وعمل صالحا رفعه العمل ذلك فإن الله يقول: إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ.

ودليل هذا التأويل

قوله (عليه السلام) : «لا يقبل الله قولا إلّا بعمل، ولا يقبل قولا وعملا إلّا بنية [ولا يقبل قولا ونية إلّا باصابة السنة] » [٤٩] .

وجاء في الخبر: «الجنة بلا عمل ذنب من الذنوب» [٥٠] «٢» .

وفي هذا المعنى يقول الشاعر:

لا ترض من رجل حلاوة قوله ... حتى يزيّن ما يقول فعال «٣»

فإذا وزنت فعاله بمقاله ... فتوازنا فإخاء ذاك جمال

قال ابن المقفع: قول بلا عمل كثريد بلا دسم، وسحاب بلا مطر، وقوس بلا وتر، وفيه قيل:

لا يكون المقال إلّا بفعل ... إنما القول زينة في الفعال


(١) في المخطوط: وصدقه.
(٢) في قول علي (عليه السلام) : «الجنة بلا عمل حمق» راجع عيون الحكم: ٣١٧.
(٣) تفسير القرطبي: ١٤/ ٣٢٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>