للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ: أهل دينه وسنته لَإِبْراهِيمَ إِذْ جاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ:

مخلص من الشرك والشك، وأخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا ابن شنبه قال: حدّثنا الفربابي قال:

حدّثنا محمد بن العلا قال: حدّثنا عصام بن علي عن هشام بن عروة عن أبيه أنه قال: يا بنيّ لا تكونوا لعّانين أو لم يروا إلى إبراهيم لم يلعن شيئا قط فقال الله سبحانه: إِذْ جاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ؟

إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ ماذا: ما الذي تَعْبُدُونَ أَإِفْكاً آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ فَما ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعالَمِينَ إذا لقيتموه وقد عبدتم غيره؟ فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ، قال ابن عباس: كان قومه يتعاطون علم النجوم فعاملهم حيث كانوا لئلّا ينكروا عليه وذلك أنه كان لهم من الغد عيد ومجمع، وكانوا يدخلون على أصنامهم ويقرّبون لهم القرابين ويصنعون بين أيديهم الطعام قبل خروجهم إلى عيدهم زعموا التّبرك عليه، فإذا انصرفوا من عيدهم أكلوه. قال مقاتل: وكانت الأصنام اثنين وسبعين صنما من خشب وحديد ورصاص وشبه وفضّة وذهب، وكان كبيرهنّ من ذهب في عينيه ياقوتتان، وقالوا لإبراهيم (عليه السلام) : لا تخرج غدا معنا إلى عيدنا. فنظر إلى النجوم، فَقالَ إِنِّي سَقِيمٌ، قال ابن عباس: مطعون، وقال الحسن: مريض، وقال الضحاك:

سأسقم لقوله سبحانه إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ «١» .

وقيل: سَقِيمٌ بما في عنقي من الموت، وقيل: سَقِيمٌ بما أرى من أحوالكم القبيحة، وقيل:

سَقِيمٌ بعلة عرضت له، وإنّه إنما نظر في النجوم مستدلا بها على وقت حمّى كانت تأتيه، والصحيح أنه لم يكن سقيما لما

روي عن النبي (عليه السلام) أنه قال: «لقد كذب إبراهيم ثلاث كذبات، ما منها واحدة إلّا وهو بماحل وناصل بها عن دينه «٢»

: قوله: إِنِّي سَقِيمٌ، وقوله: بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ وقوله لسارة: هذه أختي» [٩٠] «٣» .

فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ إلى عيدهم، فدخل إبراهيم إلى الأصنام فكسرها ووضع الفأس على عاتق الصنم الكبير، وكانوا إذا رجعوا من عيدهم دخلوا على أصنامهم قبل أن يرجعوا إلى منازلهم، فدخلوا عليها فإذا هي مكسورة، فذلك قوله سبحانه: فَراغَ: فمال إِلى آلِهَتِهِمْ فَقالَ إظهارا لضعفهم وعجزهم: أَلا تَأْكُلُونَ ما لَكُمْ لا تَنْطِقُونَ فَراغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً بِالْيَمِينِ لأنها أقوى على العمل من الشمال، وهذا قول الربيع بن أنس قال: يعني يده اليمنى، وقيل: بالقسم الذي سبق منه، وذلك قوله: وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ»

وقال الفراء: بالقوة.


(١) سورة الزمر: ٣٠.
(٢) في المصدر: ثنتان في الله وواحدة في ذات نفسه.
(٣) جامع البيان للطبري: ٢٣/ ٨٥.
(٤) سورة الأنبياء: ٥٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>