للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شرف به خصّ الإله نبيّنا ... وأتى به التفسير والتأويل

إن كنت أمّته فلا تنكر له ... شرفا به قد خصّه التفضيل

وأما قصة الذبح فقال السدي بإسناده: لمّا فارق إبراهيم الخليل (عليه السلام) قومه مهاجرا إلى الشام هاربا بدينه، كما قال الله سبحانه وتعالى: وَقالَ إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي سَيَهْدِينِ دعا الله سبحانه وتعالى أن يهب له ابنا صالحا من سارة فقال: رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ. فلما نزل به أضيافه من الملائكة المرسلين إلى المؤتفكة وبشّروه بغلام حليم، قال إبراهيم لما بشّر به:

فهو إذن لله ذبيح. فلما ولد الغلام وبَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ، قيل: أوف بنذرك الذي نذرت. فكان هذا هو السبب في أمر الله تعالى رسوله إبراهيم بذبح ابنه، فقال إبراهيم عند ذلك لإسحاق: «انطلق نقرّب قربانا لله تعالى» [١٠٠] ، وأخذ سكّينا وحبلا ثم انطلق معه حتى إذا ذهب به بين الجبال قال له الغلام: يا أبت أين قربانك؟ فقال يا بُنَيَّ إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ ماذا تَرى قالَ يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ.

وقال محمد بن إسحاق بن يسار: كان إبراهيم إذا زار هاجر وإسماعيل حمل على البراق فيغدو من الشام فيصلي بمكة، ويروح من مكة فيبيت عند أهله بالشام. حتى إذا بلغ إسماعيل معه السعي وأخذ بنفسه ورجاه لما كان يأمل فيه من عبادة ربه وتعظيم حرماته، أري في المنام أن يذبحه، فلما أمر بذلك قال لابنه: «يا بني خذ الحبل والمدية ثم انطلق بنا إلى هذا الشعب لنحتطب» . فلما خلا إبراهيم بابنه في شعب [ثبير] ، أخبره بما أمر، كما ذكر الله تعالى، قالوا:

فقال له ابنه الذي أراد أن يذبحه: «يا أبت اشدد رباطي حتى لا أضطرب، واكفف عنّي ثيابك حتى لا ينضح عليها من دمي شيء، فينقص أجري وتراه أمّي فتحزن، واشحذ شفريك، وأسرع مرّ السكين على حلقي ليكون أهون للموت عليّ، فإنّ الموت شديد، وإذا أتيت أمي فاقرأ عليها السلام مني، وإن رأيت أن ترد قميصي على أمي فافعل فإنه عسى أن يكون أسلى لها عنّي» .

فقال له إبراهيم (عليه السلام) : «نعم العون أنت يا بني على أمر الله» .

ففعل إبراهيم ما أوصاه به ابنه، ثم أقبل عليه يقبّله، وقد ربطه وهو يبكي والابن يبكي حتى استنقع الدموع تحت خده، ثم إنه وضع السكين على حلقه فلم تنحر السكين. قال السدي:

ضرب الله صفحة من النحاس على حلقه. قالوا: فقال الابن عند ذلك: «يا أبت كبّني لوجهي على جبيني، فإنّك إذا نظرت في وجهي رحمتني، وأدركتك رقّة تحول بينك وبين أمر الله وأنا لا أنظر إلى الشفرة فأجزع» . ففعل ذلك إبراهيم، ووضع السكين على قفاه فانقلب السكين، ونودي: «يا إبراهيم مه، قد صدّقت الرّؤيا، هذه ذبيحتك فداء لابنك فاذبحها دونه» ، فنظر إبراهيم فإذا هو بجبرائيل ومعه كبش أقرن أملح فكبّر جبرائيل فكبّر الكبش فكبّر إبراهيم فكبّر ابنه وأخذ إبراهيم الكبش وأتى به المنحر من منى فذبحه.

<<  <  ج: ص:  >  >>