للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فردوها عليه فعرقبت وعقرت بالسيف ونحرها لله سبحانه، وبقي منها مائة فرس، فما في أيدي الناس اليوم من الخيل فهو من نسل تلك المائة.

قال الحسن: فلما عقر الخيل، أبدله الله سبحانه مكانها خيرا منها وأسرع [من] الريح التي تَجْرِي بِأَمْرِهِ كيف يشاء، وكان يغدوا من إيليا فيقيل بقرير الأرض باصطخر «١» ويروح من قرير [بكابل] «٢» .

وقال ابن عبّاس: سألت علي بن أبي طالب عن هذه الآية فقال: ما بلغك في هذا يا ابن عبّاس؟

فقلت له: سمعت كعب الأحبار يقول: إن سليمان اشتغل ذات يوم بعرض الأفراس والنظر إليها حَتَّى تَوارَتْ الشمس بِالْحِجابِ.

فقال لما فاتته الصلاة: إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ رُدُّوها عَلَيَّ يعني الأفراس وكانت أربعة وعشرون، وبقول: أربعة عشر، فردوها عليه فأمر بضرب سوقها وأعناقها بالسيف فقتلها، وأن الله سلبه ملكه أربعة عشر يوما، لأنه ظلم الخيل بقتلها.

فقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: كذب كعب الأحبار، لكن سليمان اشتغل بعرض الأفراس ذات يوم، لأنه أراد جهاد عدو حَتَّى تَوارَتْ الشمس بِالْحِجابِ، فقال بأمر الله للملائكة الموطنين بالشمس: رُدُّوها عَلَيَّ. يعني الشمس، فردوها عليه حتّى صلّى العصر في وقتها.

فإن أنبياء الله لا يظلمون ولا يأمرون بالظلم ولا يرضون بالظلم، لأنهم معصومون مطهّرون، فذلك قوله سبحانه: إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِناتُ وهي الخيل القائمة على ثلاث قوائم، وقد أقامت الأخرى على طرف الحافر من يد أو رجل.

قال عمر بن كلثوم: تركنا الخيل عاكفة عليه مقلدة أعنتها صفونا.

وقال القتيبي: الصافن في كلام العرب الواقف من الخيل وغيرها.

قال النبي صلّى الله عليه وسلم: «من سرّه أن يقوم له الرجال صفونا فليتبوأ مقعده من النار»

«٣» [١١٥] أي وقوفا الْجِيادُ الخيار السراع واحدها جواد فَقالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ يعني الخيل، والعرب تعاقب بين الراء واللام فيقول: انهملت العين وانهمرت، وختلت الرجل وخترته أي خدعته.


(١) إصطخر: من أقدم مدن فارس وأول دار لملكهم، قرب يزد (معجم البلدان) .
(٢) تفسير الطبري: ٢٢/ ٨٥، وفي الدر المنثور: ٥/ ٢٢٧: كان سليمان يركب الريح من إصطخر فيتغدى ببيت المقدس ثم يعود فيتعشى باصطخر. [.....]
(٣) زاد المسير: ٦/ ٣٣٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>