الطهرة فأتى بها- وهي ثياب لا يغزلها إلّا الأبكار ولم تمسها امرأة رأت الدم- فلبسها ثم خرج إلى فلاة من الأرض وحده، وأمر برماد ففرش له، ثم أقبل تائبا إلى الله عزّ وجلّ حتّى جلس على ذلك الرماد وتمعك فيه بثيابه تذللا لله سبحانه وتضرعا إليه، يبكي ويدعو ويستغفر ممّا كان في داره ويقول فيما يقول:
رب ماذا ببلائك عند آل داود أن يعبدوا غيرك وأن يقرّوا في دورهم وأهاليهم عبادة غيرك.
فلم يزل كذلك يومه ذلك حتى أمسى، ثم يرجع إلى داره، وكانت أم ولد له يقال لها:
الأمينة، كان إذا دخل مذهبه أو أراد إصابة امرأة من نسائه وضع خاتمه عندها حتّى يتطهر، وكان لا يلبس خاتمة إلّا وهو طاهر، وكان ملكه في خاتمه، فوضعه يوما من تلك الأيام عندها كما كان يضعه ثم دخل مذهبه، فأتاها الشيطان صاحب البحر وكان اسمه: صخر، على صورة سليمان لا ينكر منه شيئا.
فقال: يا أمينة خاتمي.
فناولته إياه فجعله في يده ثم خرج حتّى جلس على سرير سليمان، وعكفت عليه الطير والجن والانس، وخرج سليمان فأتى الأمينة، وقد غيرت حاله وهيبته عند كل من رأى فقال: يا أمينة خاتمي.
فقالت: ومن أنت؟
قال: أنا سليمان بن داود.
فقالت: كذبت لست بسليمان وقد جاء سليمان وأخذ خاتمه وهو جالس على سريره في ملكه.
فعرف سليمان أن خطيئته قد أدركته، فخرج فجعل يقف على الدار من دور بني إسرائيل فيقول: أنا سليمان بن داود. فيحثون عليه التراب ويسبونه ويقولون: انظروا إلى هذا المجنون أي شيء يقول يزعم أنه سليمان بن داود.
فلما رأى سليمان ذلك عمد إلى البحر فكان ينقل الحيتان لأصحاب البحر إلى السوق، فيعطونه كل يوم سمكتين فإذا امسى باع إحدى سمكتيه بأرغفة وشوى الأخرى فأكلها، فمكث بذلك أربعين صباحا، عدة ما كان عبد ذلك الوثن في داره، فأنكر آصف وعظماء بني إسرائيل حكم عدو الله الشيطان في تلك الأربعين اليوم.
فقال آصف: يا معشر بني إسرائيل هل رأيتم من اختلاف حكم ابن داود ما رأيت؟
قالوا: نعم.
قال: أمهلوني حتّى أدخل على نسائه فأسألهن: هل أنكرن منه في خاصة أمره، ما أنكرناه في عامة أمر الناس وعلانيته؟