للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نازلة في مشركي العرب وكفّار قريش واختلفوا فيه فقال الضّحاك عن ابن عبّاس: ف إِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا ما أَنْزَلَ اللَّهُ يعني كفّار قريش من بني عبد الدّار، قالُوا: بَلْ نَتَّبِعُ ما أَلْفَيْنا عَلَيْهِ آباءَنا من عبادة الأصنام.

فقال الله أَوَلَوْ كانَ آباؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً من التوحيد ومعرفه الرحمن وَلا يَهْتَدُونَ للحجّة البالغة وعلى هذا القول تكون الهاء والميم عائدة على من في قوله وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْداداً وقال الآخرون: إِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا ما أَنْزَلَ اللَّهُ في تحليل ما حرّموه على أنفسهم من الحرث والأنعام والسائبة والوصيلة والبحيرة والحام وسائر الشرائع والأحكام قالُوا بَلْ نَتَّبِعُ ما أَلْفَيْنا وجدنا عليه آباؤنا من التحريم والتحليل والدّين والمنهاج وعلى هذا القول تكون الهاء والميم راجعة إلى النّاس في قوله تعالى: يا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلالًا طَيِّباً «١» .

ويكون الرجوع عن الخطاب إلى الخبر، كقوله حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ «٢» وهذا أولى الأقاويل لأنّ هذه القصّة عقب قوله يا أَيُّهَا النَّاسُ فهو أولى أن يكون خبرا عنهم من أن يكون خبرا عن المتخذين الأنداد بما فيهما من الآيات لطول الكلام.

وادغم علي بن حمزة الكسائي لام هل وبل في ثمانية أحرف التاء كقوله بَلْ تُؤْثِرُونَ «٣» وهَلْ تَعْلَمُ «٤» والثاء كقوله هَلْ ثُوِّبَ «٥» ، والسين في قوله بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ «٦» ، والزاي كقوله بَلْ زُيِّنَ «٧» ، والضاد كقوله بَلْ ضَلُّوا «٨» ، والظاء كقوله بَلْ ظَنَنْتُمْ «٩» والطاء كقوله بَلْ طَبَعَ اللَّهُ «١٠» ، والنون نحو قوله بَلْ نَحْنُ «١١» ، بَلْ نَتَّبِعُ ما أَلْفَيْنا عَلَيْهِ آباءَنا وإنّما خصّ به لام هل وبل دون سائر اللامات: لأنّها ساكنة بتا، وسائر اللّامات ساكنة بعلل متى ما زالت تلك العلل زال سكونها.

فقال الله أَوَلَوْ كانَ آباؤُهُمْ واو العطف، ويقال أيضا واو التعجب دخلت عليها ألف الاستفهام للتوبيخ والتقرير فلذلك نصبت، والمعنى يتبعون آباءهم وإن كانوا جهّالا، وترك جوابه لأنّه معروف.

قوله تعالى لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً لفظ عام ومعناه الخصوص لأنّهم كانوا يعقلون أمر الدّنيا


(١) سورة البقرة: ١٦٨.
(٢) سورة يونس: ٢٢.
(٣) سورة الأعلى: ١٦.
(٤) سورة مريم: ٦٥.
(٥) سورة المطفّفين: ٣٦.
(٦) سورة يوسف: ١٨.
(٧) سورة الرعد: ٣٣.
(٨) سورة الأحقاف: ٢٨.
(٩) سورة الفتح: ١٢.
(١٠) سورة النساء: ١٥٥.
: (١١) سورة الواقعة: ٦٧، سورة القلم: ٢٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>