للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتدبّره فيما أمر به ونهي عنه فيكون المعنى للمنعوق به. الكلام خارج على النّاعق وهو فاش في كلام العرب، يفعلون ذلك ويقبلون الكلام لاتضاح المعنى عندهم. فيقولون. فلان يخافك كخوف الأسد: أي كخوفه الأسد.

ويقولون: أعرض الحوض على النّاقة، وإنّما هو أعرض النّاقة على الحوض. قال الله عزّ وجلّ إِنَّ مَفاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ «١» وإنّما العصبة تنوء بالمفاتيح، وقال الشاعر:

وقد خفت حتّى ما تزيد مخافتي ... على وعل في ذي المطارة عاقل «٢»

والمعنى: حتّى ما يزيد مخافتي وجل على مخافتي، وقال الآخر:

كانت فريضة ما تقول كما ... إنّ الزّنى فريضة الرّجم

والمعنى: كما إنّ الرّجم فريضة الزّنا، وأنشد الفراء:

إن سراجا لكريم مفخره ... تجلى به العين إذا ما تجمره

والمعنى: يحلى بالعين، ونظائره كثيرة.

وعلى هذا القول أبو عبيدة والفراء وجماعة من العلماء، وقال بعضهم: معنى الآية: ومثل الكفّار في قلة فهمهم وعقلهم، كمثل الرّعاة يكلمون البهم، والبهم لا تعقل عنهم، وعلى هذا التفسير لا تحوّل الآية إلى الضمير، وقال بعضهم: معناها ومثل الّذين كفروا في دعائهم الأصنام التي لا تفقه دعاؤهم كمثل النّاعق بغنمه فلا ينتفع من نعيقه بشيء غير إنّه في عناء من دعاء ونداء، فكذلك الكافر ليس له من دعائه الآلهة وعبادته الأوثان إلّا العناء والبلاء، ولا ينتفع منها بشيء، يدلّ عليه قوله تعالى في صفة الأصنام إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجابُوا لَكُمْ «٣» . فهذا وجه صحيح.

وأمّا الوجه الآخر، فقال قوم: معنى الآية ومثل الكفّار في دعائهم الأوثان وعبادتهم الأصنام كمثل الرّجل الذي يصيح في جوف الجبال فيجيب فيها صوت يقال له: الصدى يجيبه ولا ينفعه. فيكون تأويل الآية على هذا القول، ومثل الكفّار في عبادتهم الأصنام كمثل الناعق بِما لا يَسْمَعُ منه إِلَّا دُعاءً وَنِداءً.

ثمّ قال صُمٌّ أي هم صمّ، والعرب تقول لمن يسمع ولا يعمل بما يسمعه كأنّه أصم.

قال الشاعر:

أصم عما يساء سميع


(١) سورة القصص: ٧٦.
(٢) مجمع البيان: ١/ ١٦٤.
(٣) سورة فاطر: ١٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>