للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حلّاقك فيحلقك. فقام فخرج، فلم يكلّم أحدا منهم كلمة حتى نحر بدنته، ودعا حالقه، فحلقه، وكان الذي حلقه ذلك اليوم خراش بن أمية بن الفضل الخزاعي، فأما يوم الحديبية فحلق رجال وقصّر آخرون، وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يرحم الله المحلّقين» . قالوا:

والمقصّرين يا رسول الله؟ قال: «يرحم الله المحلّقين» ، قالوا: والمقصّرين يا رسول الله؟

قالوا: فلم ظاهرت الترحم للمحلّقين دون المقصّرين؟. قال: «لأنّهم لم يشكّوا» . قال ابن عمر:

وذلك أنّه تربض القوم، قالوا: لعلّنا نطوف بالبيت. قال ابن عبّاس: وأهدى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عام الحديبية في هداياه جملا لأبي جهل في رأسه برة من فضّة، ليغيظ المشركين بذلك، ثمّ جاءه صلّى الله عليه وسلّم نسوة مؤمنات، فأنزل الله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ «١» ...

الآية، قال: فطلّق عمر امرأتين كانتا له في الشرك. قال: فنهاهم أن يردونهنّ وأمرهم أن ترد الصدقات، حينئذ، قال رجل للزهري: أمن أجل الفروج؟ قال: نعم، فتزوّج إحداهما معاوية بن أبي سفيان والأخرى صفوان بن أمية، ثمّ رجع النبيّ صلّى الله عليه وسلّم إلى المدينة فجاءه أبو نصير عتبة بن أسيد بن حارثة وهو مسلم، وكان ممّن جلس بمكّة، فكتب فيه أزهر بن عبد عوف، والأخنس بن شريق الثقفي إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وبعثا رجلا من بني عامر بن لؤي، ومعه مولى لهم، فقدما على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بكتابهما، وقالا: العهد الذي جعلت لنا، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يا أبا بصير إنّا قد أعطينا هؤلاء القوم ما قد علمت، ولا يصلح لنا في ديننا الغدر، وإنّ الله تعالى جاعل لك، ولمن معك من المستضعفين فرجا، ومخرجا» [٥٠] «٢» .

ثمّ دفعه إلى الرجلين، فخرجا به حتّى إذا بلغا ذا الحليفة، فنزلوا يأكلون من تمر لهم، فقال أبو نصير لأحد الرجلين: والله إنّي لأرى سيفك هذا جيّدا، فاستلّه الآخر، فقال: أجل والله إنّه لجيد. قال: أرني أنظر إليه. فأخذه وعلا به أخا بني عامر حتّى قتله، وفرّ المولى وخرج سريعا حتّى أتى رسول الله (عليه السلام) ، وهو جالس في المسجد، فلمّا رآه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم طالعا قال: «إنّ هذا الرجل قد رأى فزعا» .

فلمّا انتهى إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «ويلك ما لك؟» قال: قتل صاحبكم صاحبي. فو الله ما برح حتّى طلع أبو نصير متوشّحا بالسيف، حتّى وقف على رسول الله، فقال: يا رسول الله وفت ذمّتك أسلمتني ورددتني- وقيل: وذريتني إليهم- ثمّ نجّاني الله منهم، فقال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم «ويل أمّه مستعر حرب لو كان معه رجال» .

فلمّا سمع ذلك عرف أنّه سيردّه إليهم، فخرج أبو نصير حتّى أتى سيف البحر، ونزل بالغيّض من ناحية ذي المروة، على ساحل البحر بطريق قريش، الذي كانوا يأخذون إلى الشام،


(١) سورة الممتحنة: ١٠.
(٢) تاريخ الطبري: ٢/ ٢٨٣- ٢٨٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>