للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عدوّنا» [٦٢] «١» . ولكنّه أيدهما «٢» ، فوادّهما رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأنزل الله سبحانه في ذلك: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ حين قتلوا الرجلين

، وهذه رواية ماذان عن ابن عبّاس.

وقال ابن زيد: لا تقطعوا أمرا دون رسول الله، وقيل: لا تمشوا بين يدي رسول الله، وكذلك بين أيدي العلماء فإنّهم ورثة الأنبياء.

ودليل هذا التأويل ما

أخبرنا أبو الحسن الخبازي، قال: حدّثنا أبو القاسم موسى بن محمّد الدينوري بها، قال: حدّثنا أحمد بن يحيى، قال: حدّثنا أحمد بن عبد الله بن يونس، قال:

حدّثنا رجل بمكّة، عن ابن جريج، عن عطاء، عن أبي الدرداء، قال: رآني النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أمشي أمام أبي بكر، فقال: «تمشي أمام من هو خير منك في الدّنيا والآخرة، ما طلعت الشمس، ولا غربت على أحد بعد النبيّ صلّى الله عليه وسلّم والمرسلين خيرا وأفضل من أبي بكر!!» [٦٣] «٣» .

وقيل: إنّها نزلت في قوم كانوا يحضرون مجلس رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فإذا سئل الرسول عن شيء، خاضوا فيه، وتقدّموا بالقول، والفتوى، فنهوا عن ذلك، وزجروا عن أن يقول أحد في شيء من دين الله سبحانه، قبل أن يقول فيه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.

وقيل: لا تطلبوا منزلة وراء منزلته. قال الأخفش: تقول العرب: فلان تقدّم بين يدي أبيه، وأمّه، ويتقدّم إذا استبدّ بالأمر دونهما. وَاتَّقُوا اللَّهَ في تضييع حقّه، ومخالفة أمره. إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ لأقوالكم عَلِيمٌ بأفعالكم، وأحوالكم.

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ الآية نزلت في ثابت بن قيس ابن شماس، كان في أذنه وقر، وكان جهوري الصّوت، فإذا كلّم إنسانا جهر بصوته، فربّما كان يكلّم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فينادي بصوته، فأنزل الله سبحانه يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أي لا تغلظوا له في الخطاب، ولا تنادوه باسمه يا محمّد، يا أحمد، كما ينادي بعضكم بعضا، ولكن فخّموه، واحترموه، وقولوا له قولا ليّنا، وخطابا حسنا، بتعظيم، وتوقير: يا نبي الله، يا رسول الله، نظيره قوله سبحانه: لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً «٤» .

أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ كي لا تبطل حسناتكم. تقول العرب: أسند الحائط أن يميل وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ

فلمّا نزلت هذه الآية قعد ثابت في الطريق، فمرّ به عاصم بن عدي، فقال: ما


(١) بتفاوت في تفسير القرطبي: ١٦/ ٣٠١.
(٢) كذا في المخطوط.
(٣) تاريخ بغداد: ١٤/ ٣٧٩.
(٤) سورة النور: ٦٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>