للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

محمد يحيى بن منصور- الحاكم في القسطنطينية- قالوا: حدّثنا أبو رجاء محمد بن أحمد القاضي، قال: حدّثنا أبو الفضل العباس بن الفرج الرياسي البصري، قال: سمعت الأصمعي يقول: أقبلت ذات يوم من المسجد الجامع في البصرة فبينا أنا في بعض سككها إذ طلع أعرابي جلف جاف على قعود له متقلد سيفه وبيده قوس، فدنا وسلّم وقال لي: من الرجل؟، قلت: من بني الأصمع، قال: أنت الأصمعي؟ قلت: نعم، قال: ومن أين أقبلت؟، قلت من موضع مليء بكلام الرّحمن، قال: وللرّحمن كلام يتلوه [الآدمين] .

قلت: نعم، قال: اتل عليّ شيئا منه، فقلت له: انزل عن قعودك. فنزل، وابتدأت بسورة وَالذَّارِياتِ، فلمّا انتهيت إلى قوله سبحانه: وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وَما تُوعَدُونَ. قال: يا أصمعي هذا كلام الرّحمن؟، قلت: أي والذي بعث محمدا بالحق، إنّه لكلامه أنزله على نبيّه محمد، فقال لي: حسبك، ثم قام إلى الناقة فنحرها وقطعها كلّها، وقال: أعنّي على توزيعها ففرقناها على من أقبل وأدبر، ثم عمد إلى سيفه وقوسه فكسرهما وجعلهما تحت الرمل وولّى مدبرا نحو البادية وهو يقول: وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وَما تُوعَدُونَ.

فأقبلت على نفسي باللوم وقلت: لم تنتبهي لما انتبه له الأعرابي، فلمّا حججت مع الرشيد دخلت مكة، فبينا أنا أطوف بالكعبة إذ هتف بي هاتف بصوت دقيق فالتفّت فإذا أنا بالأعرابي نحيلا مصفارا فسلّم علىّ وأخذ بيدي وأجلسني من وراء المقام وقال لي: اتل كلام الرّحمن، فأخذت في سورة وَالذَّارِياتِ، فلمّا انتهيت الى قوله: وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وَما تُوعَدُونَ، صاح الاعرابي فقال: وَجَدْنا ما وَعَدَنا رَبُّنا حَقًّا، ثم قال: وهل غير هذا؟ قلت: نعم يقول الله سبحانه فَوَ رَبِّ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ، فصاح الأعرابي وقال: يا سبحان الله من ذا الذي أغضب الجليل حتى حلف؟، ألم يصدّقوه بقوله حتى ألجأوه إلى اليمين؟ قالها ثلاثا وخرجت فيها نفسه «١» .

وأخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا ابن شيبة، قال: حدّثنا أحمد بن جعفر بن حمدان، قال:

حدّثنا أبو حاتم قال: حدّثنا شبانة، قال حدّثنا صدقة، قال حدّثنا الوضين بن عطاء عن زيد بن جرير أنّ رجلا جاع في مكان ليس فيه شيء، فقال: اللهم رزقك الذي وعدتني فأتني به، قال:

فشبع وروى من غير طعام ولا شراب.

وأخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا محمد بن القاسم الخطيب. قال: حدّثنا إسماعيل بن العباس بن محمد الوراق، قال: حدّثنا الحسين بن سعيد بن محمد المحرمي، قال: حدّثنا علي ابن يزيد العبداني قال: حدّثنا فضيل بن مسروق عن عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري، قال:


(١) كتاب التوابين لعبد الله بن قدامة: ٢٧٥ ح ١١٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>