للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

منهم إلّا لمعصيتي، وهذا معنى قول زيد بن أسلم، قال: ما جبلوا عليه من الشقاء والسعادة، وقال الحسين بن الفضل: هو الاستعباد الظاهر.

وليس على هذا القدر لأنّه لو قدر عليهم عبادته لما عصوه ولما عبدوا غيره وإنمّا هو كقوله: جَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ثم قال: قَلِيلًا ما تَشْكُرُونَ وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ.

ووجه الآية في الجملة أنّ الله تعالى لم يخلقهم للعبادة خلق جبلة وإجبار وإنّما خلقه لهم خلق تكليف واختيار، فمن وفّقه وسدّده أقام العبادة التي خلق لها، ومن خذله وطرده حرمها وعمل بما خلق لها.

كقوله صلّى الله عليه وسلّم: «اعملوا فكل ميسر لما خلق له»

[٩٨] «١» والله أعلم.

ما أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ أي رزقا وَما أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ قراءة العامّة برفع النون على نعت الله سبحانه وتعالى، وهو القوي المقتدر المبالغ في القوّة والقدرة.

قال ابن عباس: المتين الصلب الشديد، وقرأ يحيى والأعمش الْمَتِينِ خفضا على نعت القوّة. قال الفرّاء: كان حقّه التأنيث «٢» فذكّره لأنّه ذهب به إلى الشيء المبرم المحكم الفتل، كما يقال: حبل متين، وأنشد الفرّاء:

لكلّ دهر قد لبست أثوبا ... حتى اكتسى الرأس قناعا أشيبا «٣»

من ريطة واليمنة المعصّبا «٤»

فذكّر المعصب لأنّ اليمنة صنف من الثياب.

ومن هذا الباب قوله سبحانه: فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ أي وعظ، وقوله: وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ أي الصياح والصوت.

وأخبرنا أبو عبد الله بن فنجويه الدينوري، قال: حدّثنا القطيفي، قال: حدّثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثنا يحيى بن آدم ويحيى بن أبي كثير قالا: حدّثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن عبد الرّحمن بن يزيد عن عبد الله بن مسعود قال: أقرأني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إنّي أنا الرزاق ذو القوة المتين.

فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا كفروا من أهل مكة ذَنُوباً قال ابن عباس وسعيد بن جبير: سجّلا.


(١) مسند أحمد: ١/ ٨٢.
(٢) في المخطوط: التثنية.
(٣) غريب الحديث: ٢/ ٢٠٦.
(٤) تفسير القرطبي: ١٧/ ٥٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>