وقال مجاهد وابن زيد: نزلت في الوليد بن المغيرة، وكان قد اتبع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على دينه فعيّره بعض المشركين وقال له: أتركت دين الأشياخ وضللتهم وزعمت أنهم في النار، كان ينبغي لك ان تنصرهم. قال: إني خشيت عذاب الله، فضمن له الذي عاتبه ان هو أعطاه شيئا من ماله ورجع إلى شركه أن يتحمل عنه عذاب الله، ففعل وأعطى الذي عاتبه بعض ما كان ضمن له، ثم بخل ومنحه تمام ما ضمن له
فأنزل الله سبحانه أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى أدبر عن الإيمان وَأَعْطى يعني صاحبه الضامن قَلِيلًا وَأَكْدى بخل بالباقي، وقال مقاتل: يعني أَعْطى الوليد قَلِيلًا من الخير بلسانه ثم أَكْدى اي قطعه ولم يقم عليه.
وروى موسى بن عبيدة الزبيدي عن عطاء بن يسار قال: نزلت في رجل قال لأهله:
جهّزوني انطلق إلى هذا الرجل- يعني النبي صلّى الله عليه وسلّم- فتجهّز وخرج، فلقيه رجل من الكفار فقال له:
أين تريد؟ قال: محمدا، لعلّي أصيب من خيره، فقال له الرجل: أعطني جهازك وأحمل عنك إثمك، فنزلت فيه هذه الآية.
وروي عن السدّي أيضا قال: نزلت في العاص بن وائل السهمي، وذلك أنّه كان ربما يوافق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في بعض الأمور، وقال محمد بن كعب القرظي: نزلت في أبي جهل، وذلك أنه قال: والله ما يأمرنا محمد إلّا بمكارم الأخلاق فذلك قوله: أَعْطى قَلِيلًا وَأَكْدى أي لم يؤمن.
قال المفسّرون: أَكْدى أي قطعه ولم يقم عليه، وأصله من الكدية وهي حجر يظهر في البئر ويمنع من الحفر ويؤيس من الماء.
قال الكسائي: تقول العرب: أكدى الحافر وأجبل إذا بلغ في الحفر الكدية والجبل، وقال: كديت أصابعه إذا محلت، وكديت يده إذا كلّت فلم يعمل شيئا، وكدى النبت إذا قلّ ريعه، وقال المؤرخ: أَكْدى أي منع الخير، قال الحطيئة:
فأعطى قليلا ثم أكدى عطاءه ... ومن يبذل المعروف في الناس يحمد «١»
أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرى أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ يخبر بِما فِي صُحُفِ مُوسى يعني أسفار التوراة وَإِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى ما أرسل به من تبليغ رسالة الله وهي قوله: أَلَّا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى روى عكرمة وطاوس عن ابن عباس قال: كانوا قبل إبراهيم صلوات الله عليه يأخذون الرجل بذنب غيره، ويأخذون الولي بالولي في القتل، حتى أنّ الرجل يقتل بأبيه وأخيه وابنه وعمه وخاله، والزوج يقتل بامرأته، والسيد يقتل بعبده، حتى كان إبراهيم عليه السّلام فنهاهم عن ذلك وبلّغهم عن الله أَلَّا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى.