للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال الفضيل في هذا المعنى: الدنيا مفيد ومبيد فما أباد فلا رجعة له، وما أفاد فقد أذن بالرحيل.

وقال الحسين بن الفضل: حمل الله سبحانه بهذه الآية المؤمنين على مضض الصبر على الفائت، وترك الفرح بالآتي، والرضا بقضائه في الحالتين جميعا.

وقال قتيبة بن سعيد: دخلت بعض أحياء العرب فإذا أنا بفضاء من الأرض مملوء من الإبل الموتى والجيف بحيث لا أحصي عددها، فسألت عجوزا: لمن كانت هذه الإبل؟ فأشارت إلى شيخ على تلّ يغزل صوفا، فقلت له: يا شيخ ألك كانت هذه الإبل؟ قال: كانت باسمي. قلت:

فما أصابها؟ قال: ارتجعها الذي أعطاها. قلت: وهل قلت في ذلك شيئا؟ قال: نعم:

لا والذي أخذ [ ... ] «١» من خلائقه ... والمرء في الدهر نصب الرزء والمحن

ما سرّني أنّ إبلي في مباركها ... وما جرى في قضاء الله لم يكن «٢»

وقال سلم الخوّاص: من أراد أن يأكل الدارين فليدخل في مذهبنا عامين ليضع الله سبحانه الدنيا والآخرة بين يديه. قيل: وما مذهبكم؟ قال: الرضا بالقضا، ومخالفة الهوى.

وأنشد:

لا تطل الحزن على فائت ... فقلّما يجدي عليك الحزن

سيّان محزون على ما مضى ... ومظهر حزنا لما لم يكن

الَّذِينَ يَبْخَلُونَ، قيل: هو في محل الخفض على نعت (المختال) ، وقيل: هو رفع بالابتداء وخبره ما بعده. وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ قرأ أهل المدينة والشام بإسقاط (هو) وكذلك هو في مصاحفهم. الباقون بإثباته.

لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا بِالْبَيِّناتِ وَأَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ وَالْمِيزانَ يعني له يعدل. وقال ابن زيد:

ما يوزن به. لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ: ليعمل الناس بينهم بالعدل وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ، قال ابن عباس: نزل آدم من الجنّة معه خمسة أشياء من الحديد: السندان، والكلبتان، والمنقعة، والمطرقة، والإبرة.

وقال أهل المعاني: يعني أنه أخرج لهم الحديد من المعادن، وعلمهم صنيعته بوحيه.

وقال قطرب: هذا من النزل كما تقول: أنزل الأمر على فلان نزلا حسنا، فمعنى الآية أنه جعل ذلك نزلا لهم، ومثله قوله: وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعامِ ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ «٣» .


(١) كلمة غير مقروءة.
(٢) زاد المسير لابن الجوزي: ٧/ ٣٠٨.
(٣) سورة الزمر: ٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>