للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فردّوا عليهم، فقاموا على أرجلهم ينتظرون أن يوسّع لهم، فعرف النبي (عليه السلام) ما يحملهم على القيام فلم يفسحوا لهم، فشقّ ذلك على النبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال لمن حوله من المهاجرين والأنصار والتابعين من غير أهل بدر: «قم يا فلان وأنت يا فلان» [٢٣٥] «١» .

فأقام من المجلس بقدر النفر الذين قاموا بين يديه من أهل بدر، فشقّ ذلك على من أقيم من مجلسه، وعرف النبيّ صلّى الله عليه وسلّم (عليه السلام) الكراهية في وجوههم، فقال المنافقون للمسلمين:

ألستم تزعمون أنّ صاحبكم يعدل بين الناس؟ فو الله ما عدل على هؤلاء، أنّ قوما أخذوا مجالسهم وأحبّوا القرب من نبيّهم فأقامهم وأجلس من أبطأ عنه مقامهم، فأنزل الله سبحانه هذه الآية.

وقال الكلبي: نزلت في ثابت بن قيس بن الشماس- وقد ذكرت هذه القصّة في سورة الحجرات- فأنزل الله عزّ وجلّ في الرجل الذي لم يتفّسح له يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا: توسّعوا، ومنه قولهم: مكان فسيح إذا كان واسعا في المجلس.

قرأ السلمي والحسن وعاصم فِي الْمَجالِسِ- بالألف- على الجمع، وقرأ قتادة:

(تفاسحوا) بالألف فيهما، وقرأ الآخرون تَفَسَّحُوا (في المجلس) يعنون مجلس النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، واختاره أبو حاتم وأبو عبيد قال: لأنّه قراءة العامّة، مع أن المجلس يؤدي معناه عن المجالس كلّها من مجلس النبيّ صلّى الله عليه وسلّم (عليه السلام) وغيره.

أخبرنا ابن فنجويه قال: حدّثنا القطيعي قال: حدّثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال:

حدّثنا أبي قال: حدّثنا عبد الملك بن عمرو قال: حدّثنا فليح، عن أيوب بن عبد الرحمن بن صعصعة [الأنصاري، عن يعقوب] «٢» بن أبي يعقوب، عن أبي هريرة عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا يقم الرجل من مجلسه ثم يجلس فيه ولكن افسحوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ» [٢٣٦] «٣» .

وقال أبو العالية والقرظي: هذا في مجالس الحرب ومقاعد القتال، كان الرجل يأتي القوم في الصّف فيقول لهم: توسّعوا، فيأبون عليه لحرصهم على القتال، فأمرهم الله سبحانه أن يفسح بعضهم لبعض. وهذه رواية العوفي عن ابن عباس.

قال الحسن: بلغني أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان إذا قاتل المشركين وصفّ أصحابه للقتال تشاحّوا على الصف الأوّل ليكونوا في أوّل غارة القوم، فكان الرجل منهم يجيء إلى الصّف الأوّل فيقول لإخوانه: توسّعوا لي ليلقى العدوّ ويصيب الشهادة، فلا يوسّعون له رغبة منهم في الجهاد والشهادة، فأنزل الله سبحانه هذه الآية.


(١) زاد المسير: ٧/ ٣٢٣.
(٢) بياض في مصوّرة المخطوط، وتمام السند من مسند أحمد بن حنبل.
(٣) مسند أحمد بن حنبل ٥: ٤٨٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>