للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبه قال أبو جعفر بن جرير الطبري، حدّثنا أبو لهب، حدّثنا أبو بكر، حدّثنا الأعمش، عن المنهال عن قيس بن بكر، قال: حدثني عبد الله وهو عند عمر قال: إذا كان يوم القيامة يقوم الناس بين يدي رب العالمين أربعين عاما، شاخصة أبصارهم إلى السماء، حفاة عراة يلجمهم العرق، ولا يكلّمهم بشيء أربعين عاما، ثمّ ينادي مناد: يا أيها الناس أليس عدلا من ربكم الذي خلقكم وصوّركم ورزقكم ثمّ عبدتم غيره أن يولي كل قوم ما تولوا؟ قالوا: نعم، قال: فيرفع لكل قوم ما كانوا يعبدون من دون الله فيتبعونها حتى تقذفهم في النار، فيبقى المسلمون والمنافقون فيقال: ألا تذهبون قد ذهب الناس؟ فيقولون: حتى يأتينا ربّنا، قال: وتعرفونه؟

قالوا: إن اعترف لنا، قال: فعند ذلك يكشف عن ساق ويتجلى لهم فيخرّ من كان يعبده ساجدا ويبقى المنافقون لا يستطيعون كأنّ في ظهورهم السفافيد فيذهب بهم إلى النار ويدخل هؤلاء الجنّة، فذلك قوله سبحانه وتعالى: وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وذلك أن المؤمنين يرفعون رؤوسهم ووجوههم أشد بياضا من الثلج، وتسوّد وجوه الكافرين والمنافقين. وَقَدْ كانُوا يُدْعَوْنَ في الدنيا. إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سالِمُونَ أصحاء فلا يأتونه ويأبونه.

قال إبراهيم التيمي: يدعون إلى الصلاة المكتوبة بالأذان والإقامة فيأبونه. وقال سعيد بن جبير: كانوا يسمعون حيّ على الفلاح فلا يجيئون. قال كعب الأحبار: والله ما نزلت هذه الآية إلّا في الذين يتخلّفون عن الجماعات.

ويروى أنّ ربيع بن الجثم عرض له الفالج فكان يتهادى «١» بين رجلين إلى المسجد، فقيل له: يا أبا يزيد لو جلست فإن لك رخصة، قال: من سمع حي على الفلاح فليجب ولو حبوا.

قيل لسعيد بن المسيب: إنّ طارقا يريد قتلك فتغيّب، فقال: أحيث لا يقدره عليّ الله، فقيل له:

فاجلس، فقال: أسمع حيّ على الفلاح فلا أجيب «٢» .

فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهذَا الْحَدِيثِ أي فدعني والمكذبين بهذا القرآن. سَنَسْتَدْرِجُهُمْ سنأخذهم مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ فيعذّبوا يوم بدر. وقيل: معناه سنزيدهم حزنا وخذلانا فيزدادوا عصيانا وطغيانا.

وقال سفيان الثوري: يسبغ عليهم النعم وينسيهم الشكر. وقال [العباد] «٣» : لم نعاقبهم في وقت مخالفتهم فيستيقظوا بل أمهلناهم ومددنا لهم في النعم حتى زال عنهم خاطر التدبير، فكانوا منعّمين في الظاهر مستدرجين في الحقيقة.


(١) في المخطوط: تهادى.
(٢) تفسير القرطبي: ١٨/ ٢٥١. [.....]
(٣) كذا في المخطوط.

<<  <  ج: ص:  >  >>