للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سبحانه هذه الآيات، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك يكرمه وإذا رآه قال: «مرحبا بمن عاتبني فيه ربي» ويقول: «هل لك من حاجة» [٩١] «١» واستخلفه على المدينة مرتين في غزوتين غزاهما قال أنس بن مالك: فرأيته يوم القادسية عليه درع ومعه راية سوداء

، قال ابن زيد كان يقال: لو كتم رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا من الوحي لكتم هذا.

وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى أي يتطهّر من ذنوبه ويتّعظ ويصلح، وقال ابن زيد: يسلم.

أَوْ يَذَّكَّرُ يتعظ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرى الموعظة، وقراءة العامة فَتَنْفَعُهُ بالرفع نسقا على قوله يَزَّكَّى ويَذَّكَّرُ، وقرأ عاصم في أكثر الروايات بالنصب على جواب لعل بالفاء.

أَمَّا مَنِ اسْتَغْنى اثرى فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى تتعرّض وتصغي إلى كلامه قال الراعي:

تَصَدَّى لوضّاح كان جبينه سراج الدجى تجبى إليه الأساور، وقرأ أهل الحجاز وأيوب تصّدى بتشديد الصاد على معنى يتصدى، وقرأ الباقون بالتخفيف على الحذف.

وَما عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى أن لا يسلم إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلاغُ وَأَمَّا مَنْ جاءَكَ يَسْعى يمشي يعني الأعمى وَهُوَ يَخْشى الله سبحانه فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى تعرض وتتغافل وتتشاغل بغيره كَلَّا ردع وزجر أي لا تفعل مثلها بعدها فليس الأمر كما فعلت من إقبالك على الغني الكافر وإعراضك [عن] «٢» الفقير المؤمن.

إِنَّها يعني هذه الموعظة، وقيل: هذه السورة، وقال مقاتل: آيات القرآن تَذْكِرَةٌ موعظة وتبصرة فَمَنْ شاءَ من عباد الله ذَكَرَهُ اتّعظ به، وقال مقاتل: فمن شاء الله ذكّره، أي فهّمه واتعظ به إذا شاء الله منه ذلك وذكّره وفهمه، والهاء في قوله: ذَكَرَهُ راجعة إلى القرآن والتنزيل والوحي أو الوعظ.

فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ يعني اللوح المحفوظ، وقيل: كتب الأنبياء (عليهم السلام) ، دليله قوله سبحانه: إِنَّ هذا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولى صُحُفِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى «٣» .

مَرْفُوعَةٍ رفيعة القدر عند الله مُطَهَّرَةٍ بِأَيْدِي سَفَرَةٍ قال ابن عباس ومجاهد: كتبة وهم الملائكة الكرام الكاتبون واحدهم سافر، ويقال: سفرت أي كتبت ومنه قيل للكتاب سفر، وجمعه أسفار، ويقال للورّاق سفّرا بلغة العبرانية وقال قتادة: هم القرّاء، وقال الباقون: هم الرسل من الملائكة واحدهم سفير وهو الرسول، وسفير القوم هو الذي يسعى بينهم للصلح، وسفرت بين القوم إذا أصلحت بينهم، قال الشاعر:


(١) تفسير القرطبي: ١٩/ ٢١٣.
(٢) في المخطوط: على.
(٣) سورة الأعلى: ١٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>