للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأنّ الفقر والغنى من تقديري وقضائي. فلا أكرم من أكرمته بالغنى وكثرة الدنيا، ولا أهين من أهنته بالفقر وقلّة الدنيا، ولكني إنّما أكرم من أكرمته بطاعتي، وأهين من أهنته بمعصيتي، وقال الفراء: معنى كلا لم ينبغ «١» له أن يكون هذا ولكن ينبغي أن يحمده على الأمرين على الغنى والفقر.

ثم قال: بَلْ لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ يعني أهنت من أهنت من أجل أنّه لا يكرم اليتيم.

واختلف القرّاء في هذه الآية فقرأ أهل البصرة يكرمون وما بعده كلّه بالياء، وقرأها الآخرون بالتاء وَلا تَحَاضُّونَ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ قرأ أبو جعفر وأهل الكوفة تَحَاضُّونَ بالألف وفتح التاء، وروى الشذري عن الكسائي (تُحَاضُّونَ) بضم التاء، غيرهم (تحضّون) بغير الألف. وَتَأْكُلُونَ التُّراثَ الميراث أَكْلًا لَمًّا شديدا، قال الحسن: يأكل نصيبه ونصيب غيره. بكر بن عبد الله: اللّمّ الاعتداء في الميراث يأكل ميراثه وميراث غيره. ابن زيد: الأكل اللمّ الذي يأكل كلّ شيء يجده ولا يسأل عنه أحلال أم حرام، ويأكل الذي له والذي لغيره، وذلك أنّهم كانوا لا يورثون النساء ولا الصبيان، وقرأ يَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّساءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ الآية قال أبو عبيدة يقال: لممت ما على الخوان إذا أتيت على ما عليه وأكلته كلّه أجمع.

وَتُحِبُّونَ الْمالَ حُبًّا جَمًّا كثيرا يقال جمّ الماء في الحوض إذا كثر واجتمع. كَلَّا ما هكذا ينبغي أن يكون الأمر ثمّ أخبر ممن تلهّفهم على ما سلف منهم حين لا ينفعهم فقال عزّ من قائل:

إِذا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا مرّة بعد مرّة فيكسر كلّ شيء على ظهرها.

وَجاءَ رَبُّكَ قال الحسن: أمره وقضاؤه، وقال أهل الإشارة: ظهر قدرة ربّك وقد استوت الأمور وأنّ الحقّ لا يوصف يتحوّل من مكان إلى مكان وأنّى له التجوّل والتنقّل ولا مكان له ولا أوان ولا تجري عليه وقت وزمان لأنّ في حرمان الوقت على الشيء فوت الأوقات، ومن فاته شيء فهو عاجز، والحقّ ينزّه أن تحوي صفاته الطبائع أو تحيط به الصدور.

وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ

أخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا ابن ماجة قال: حدّثنا يعقوب بن يوسف القروي قال: حدّثنا القاسم بن الحكم قال: حدّثنا عبيد الله بن الوليد قال: حدّثنا عطية عن أبي سعيد قال: لمّا نزلت هذه الآية وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ تغيّر لون رسول الله صلى الله عليه وسلم وعرق في وجهه حتى اشتدّ على أصحابه ما رأوا من حاله فانطلق بعضهم إلى عليّ رضي الله عنه فقالوا: يا علي لقد حدث أمر قد رأيناه في نبي الله صلى الله عليه وسلم. فجاء عليّ فاحتضنه من خلفه ثمّ قبّل بين عاتقيه ثمّ قال: يا نبي الله بأبي أنت وأمّي ما الذي حدث اليوم وما الذي غيّرك؟

قال: «جاء جبريل (عليه السلام) فأقرأني هذه الآية: كَلَّا إِذا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ قلت: فكيف يجاء بها؟


(١) في المخطوط: ينبغي.

<<  <  ج: ص:  >  >>