وسمعت أبا القاسم الحبيبي يقول: سمعت أبا زكريا يحيى بن محمد بن عبد الله العنبري يحكي بإسناد له لا أحفظه، عن عبد الوهاب بن مجاهد، عن أبيه أنه قال في قوله تعالى: أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى: هو من أقوال العرب: درة يتيمة إذا لم يكن لها مثل وقد جاء في الشعر:
لا ولا درّة يتيمة بحر ... تتلالأ في جونة البياع
فمجاز الآية: أَلَمْ يَجِدْكَ واحدا في شرفك، وفضلك، لا نظير لك، فآواك إليه.
وقرأ أشهب العقيلي فأوى بالقصر: أي رحمك. تقول العرب: آويت لفلان أية ومأواة أي رحمته.
وَوَجَدَكَ ضَالًّا عما أنت عليه اليوم، فهداك إلى الذي أنت عليه اليوم.
قال السدي: كان على أمر قومه أربعين عاما، وقال الكلبي: وجدك في قوم ضلال فهداك إلى التوحيد، والنبوة، وقيل: فهداهم بك، وقال الحسن والضحّاك وشهر بن حوشب وابن كيسان: وَوَجَدَكَ ضَالًّا عن معالم النبوة، وأحكام الشريعة غافلا عنها، فهداك إليها، نظيره ودليله قوله سبحانه وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغافِلِينَ وقوله تعالى: ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ، وقيل: ضَالًّا في شعاب مكّة، فهداك الى جدّك عبد المطلب، وردّك إليه.
روى أبو الضحى، عن ابن عباس قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضل، وهو صبي صغير في شعاب مكّة، فرآه أبو جهل، منصرفا من أغنامه، فردّه إلى جدّه عبد المطلب، فمنّ الله سبحانه عليه بذلك، حين ردّه إلى جدّه على يدي عدوّه.
وأخبرنا عبد الله بن حامد قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن عبدوس قال: حدّثنا عثمان بن سعيد قال: حدّثنا عمرو بن عوف قال: أخبرنا خالد، عن داود بن أبي هند، عن العباس بن عبد الرحمن، عن بشر بن سعيد، عن أبيه قال: حججت في الجاهلية، فإذا أنا برجل يطوف بالبيت، وهو يرتجز، ويقول:
يا ربّ ردّ راكبي محمدا ... ردّ إليّ واصطنع عندي يدا
فقلت: من هذا؟ قيل: عبد المطلب بن هاشم، ذهبت أبل له فأرسل ابن ابنه في طلبها، ولم يرسله في حاجة قط إلّا جاء بها، وقد احتبس عليه، قال: فما برحت أن جاء النبي صلى الله عليه وسلم وجاء بالإبل، فقال: يا بنيّ لقد حزنت عليك حزنا لا يفارقني أبدا «١» .
وفي حديث كعب الأحبار، في مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم وبدء أمره أن حليمة لمّا قضت حق الرضاع، جاءت برسول الله صلى الله عليه وسلم لتردّه إلى عبد المطلب، قالت حليمة: فأقبلت أسير حتى أتيت
(١) التاريخ الكبير للبخاري: ٣/ ٤٥٤. أسد الغابة: ٢/ ٣٠٥.