للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال مقاتل يعني كعب بن الأشرف، ويحيى بن أخطب وسائر رؤوس الضلالة يُخْرِجُونَهُمْ ويدعونهم مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُماتِ، دليله قوله تعالى: وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ «١» يعني أدعوهم.

فإن قيل: ما وجه قوله يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُماتِ وهم كفّار لم يكونوا في نور قط وكيف يخرجونهم ممّا لم يدخلوا فيه.

فالجواب ما قال مقاتل وقتادة: هم اليهود كانوا مؤمنين بمحمّد صلّى الله عليه وسلّم قبل أن يبعث فلما بعث كفروا به وجحدوا ما وجدوه في كتبهم من نعته وصفته ونبوّته بيانه قوله: فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ «٢» فذلك خروجهم من النور يعني بإيمانهم بمحمد قبل البعث، ويعني بالظلمات كفرهم بمحمد صلّى الله عليه وسلّم بعد البعث، والإدخال والإخراج الى الله عزّ وجلّ لا إلى غيره إلّا على سبيل الشريعة والتفريع. قال الله عزّ وجلّ: وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ «٣» ، وأجراها أهل المعاني على العموم في جميع الكفّار.

وقالوا: منعه إياهم من الدخول فيه إخراج، وهذا كما يقول الرجل لأبيه: أخرجتني من مالك ولم يكن فيه، فقال الله تعالى إخبارا عن يوسف: إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ «٤» ولم يكن أبدا على دينهم حتّى تركه قال الله تعالى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ «٥» ولم يكن فيه قط.

وقال امرؤ القيس:

ويأكلون البدل قد عاد احما قط ... قال له الأصوات ذي كلا نجلى «٦»

وقال آخر:

أطعت النفس في الشهوات حتّى ... أعادتني عسيفا عبد عبد «٧»

ولم يكن عبدا قط.

وقال الغنوي:

فإنّ تكن الأيام أحسن مرّة ... إليّ فقد عادت لهنّ ذنوب «٨»


(١) سورة إبراهيم: ٥.
(٢) سورة البقرة: ٨٩.
(٣) سورة الأسراء: ٨٠.
(٤) سورة يوسف: ٣٧. [.....]
(٥) سورة النحل: ٧٠.
(٦) كذا في المخطوط.
(٧) لسان العرب: ٩/ ٢٤٦.
(٨) تاريخ دمشق: ٦٣/ ١٧٢، والشاهد أنها لم يكن لها ذنوب قبل ذلك.

<<  <  ج: ص:  >  >>