للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

البحر فدواب البحر تأكله وما كان في البر فدواب البر تأكله، فقال له الخبيث إبليس: متى يجمع الله هذا من بطون هؤلاء؟

فقال: رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى، قالَ: أَوَلَمْ تُؤْمِنْ؟ قالَ بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي بذهاب وسوسة إبليس منه ويصير الشيطان خاسرا صاغرا.

وقال بعضهم: إن إبراهيم عليه السّلام لما احتجّ على نمرود وقال: رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ.

وقال: أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ وقتل ذلك الرجل وأطلق الآخر.

قال إبراهيم: فإنّ الله عزّ وجلّ يحيي بأن يقصد إلى جسد ميّت فيحييه ويجعل الروح فيه.

فقال له نمرود: أنت عاينت هذا، فلم يقدر أن يقول نعم رأيته، فانتقل إلى حجّة أخرى، فقال إنّ الله عزّ وجلّ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِها مِنَ الْمَغْرِبِ «١» ، ثم سأل ربّه فقال:

رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى قالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ؟

قالَ بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي حتّى إذا قال لي قائل: أنت عاينت؟ أقول: نعم قد عاينت ولا أحتاج إلى الانصراف لأي حجّة أخرى، وليعلم نمرود إنّ الإحياء كما فعلت لا كما فعل هو. وهذا معنى قول محمد بن إسحاق عن ابن يسارة.

روى في الخبر: إنّ نمرود قال لإبراهيم عليه السّلام: أنت تزعم إن ربّك يحيي الموتى وتدعوني إلى عبادته فسل لربّك يحيي الموتى إنّ كان قادرا وإلّا قتلتك.

فقال إبراهيم عليه السّلام: رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى قالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ؟ قالَ بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي بقوّة حجّتي ونجاتي من القتل، فإن عدو الله توعدني بالقتل إنّ لم تحيي له ميّتا.

وقال ابن عباس وسعيد بن جبير والسدي: لما اتَّخَذَ اللَّهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلًا، سأل ملك الموت أن يأذن له فيبشّر إبراهيم بذلك، فأذن له فأتى إبراهيم ولم يكن في الدار، فدخل داره وكان إبراهيم عليه السّلام أغير الناس، إذا خرج أغلق بابه، فلمّا دخل وجد في داره رجلا فثار إليه ليأخذه فقال له: من أذن لك أن تدخل داري؟

فقال ملك الموت: أذن لي ربّ هذه الدار، قال إبراهيم: صدقت، وعرف أنّه ملك الموت.

فقال: من أنت؟ قال: ملك الموت جئت أبشّرك بأن الله عزّ وجلّ أتخذك خليلا، فحمد


(١) راجع أسباب النزول للواحدي: ٥٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>