للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان بعضهم مع بعض عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنامِلَ يعني أطراف الأصابع، واحدتها أنملة وأنملة. بضم الميم وفتحها. مِنَ الْغَيْظِ والحنق لما يرون من ائتلاف المؤمنين واجتماع كلمتهم وصلاح ذات بينهم. وهذا من مجاز الأمثال وإن لم يكن ثم عضّ، قال الشاعر:

إذا رأوني أطال الله غيظهم ... عضوا من الغيظ أطراف الأباهيم «١»

وقال أبو طالب:

وقد صالحوا قوما علينا أشحّة ... يعضّون غيضا خلفنا بالأنامل

قال الله تعالى: قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ، إن قيل: كيف لا يموتون والله تعالى إذا قال لشيء كن فيكون؟

فالجواب: أن المراد ابقوا بغيضكم إلى الممات فإن مناكم عن الاسعاف محجوبة.

وقال محمد بن جرير: خرج هذا الكلام مخرج الأمر وهو دعاء أمر الله تعالى نبيه صلّى الله عليه وسلّم أنه يدعو عليهم بالهلاك كمدا ممّا بهم من الغيظ، قل يا محمد: اهلكوا بغيظكم «٢» : إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ بما في القلوب من خير وشر. روى عمرو بن مالك عن أبي الجوزاء قال: ذكر أصحاب الأهواء فقال والذي نفسي بيده لئن تمتلئ داري قردة وخنازير أحب إليّ من أن يجاورني رجل منهم «٣» . يعني صاحب هوى، ولقد دخلوا في هذه الآية: ها أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ الآية.

إِنْ تَمْسَسْكُمْ، قرأ السلمي بالياء. الباقون بالتاء. يعني: إن تصبكم أيها المؤمنون حَسَنَةٌ بظفركم على عدوكم وغنيمة تنالونها منهم وتتابع من الناس في الدخول في دينكم وخفض في معاشكم تَسُؤْهُمْ: تحزنهم وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ مساءة بإخفاق سريّة لكم، أو إصابة عدوّ فيكم أو اختلاف يكون منكم «٤» ، أو حدث ونكبة يَفْرَحُوا بِها وَإِنْ تَصْبِرُوا على أذاهم وَتَتَّقُوا وتخافوا ربّكم لا يَضُرُّكُمْ: لا ينقصكم كَيْدُهُمْ شيئا.

واختلفت القراءة فيه فقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو ويعقوب: لا يَضِرُكُمْ. بكسر الضاد [وراء] خفيفة. واختاره أبو حاتم، يقال: ضار يضير ضيرا مثل باع يبيع بيعا، ودليله في القرآن: لا ضَيْرَ «٥» . وهو جزم على جواب الجزاء.


(١) لسان العرب: ١٢/ ٥٩.
(٢) جامع البيان للطبري: ٤/ ٨٩.
(٣) الطبقات الكبرى: ٧/ ٢٢٤.
(٤) تفسير الطبري: ٤/ ٩٠.
(٥) الشعراء: ٥٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>