للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأنفال، ثم قال: واستعينوا بالله وتوكلوا عليه لِيَقْطَعَ طَرَفاً. نظم الآية: وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ ... لِيَقْطَعَ طَرَفاً، أي: ليهلك طائفة مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا نظيره قوله: فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا «١» أي: أهلك، وفي الأنفال: وَيَقْطَعَ دابِرَ الْكافِرِينَ «٢» ، وفي الحجر: أَنَّ دابِرَ هؤُلاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ «٣» ، السديّ: معناه ليهدم ركنا من أركان الشرك بالقتل والأسر، فقتل من سادتهم وقادتهم يوم بدر سبعين، وأسر منهم سبعين.

أَوْ يَكْبِتَهُمْ بالخيبة فَيَنْقَلِبُوا خائِبِينَ لم ينالوا شيئا ممّا كانوا يرجون من الظفر بكم.

وقال الكلبي: أَوْ يَكْبِتَهُمْ: أو يهزمهم بأن يصرعهم لوجوههم. المؤرّخ: يخزيهم. النضر بن شميل: يغيظهم، المبرّد: يظفر عليهم، السديّ: يلعنهم، أبو عبيدة: يهلكهم، قالوا: وأهل النظر [يرون] «٤» التاء منقلبة عن الدال، لأن الأصل فيه يكبدهم، أي: يصيبهم في أكبادهم بالحزن والغيظ، يقال: قد أحرق الحزن كبده، وأحرقت العداوة كبده، ويقول العرب للعدوّ: أسود الكبد، قال الأعشى:

فما أجشمت من إتيان قوم ... هم الأعداء والأكباد سود «٥»

كأنّ الأكباد لمّا احترقت بشدّة العداوة اسودّت، والتاء والدال يتعاقبان، كما يقال: هرت الثوب وهرده، إذا خرقه، يدل على صحة هذا التأويل قراءة لاحق بن حميد: أو يكبدهم، بالدّال.

لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ اختلف العلماء في سبب نزول هذه الآية،

فقال عبد الله بن مسعود: أراد النبي صلّى الله عليه وسلّم أن يدعوا على المدبرين عنه من أصحابه يوم أحد، وكان عثمان منهم، فنهاه الله عزّ وجلّ عن ذلك وتاب عليهم، فأنزل هذه الآية

، وقال عكرمة وقتادة: أدمى رجل من هذيل يقال له عبد الله بن قمية وجه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوم أحد، فدعا عليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وكان حتفه أن سلّط الله عليه تيسا فنطحه حتى قتله.

وشجّ عتبة بن أبي وقاص رأسه، وكسر رباعيته فدعا عليه، وقال: «اللهم لا تحل عليه الحول حتى يموت كافرا» قال: وما حال عليه الحول حتى مات كافرا، فأنزل الله هذه الآية «٦» .

وقال الكلبي والربيع: نزلت هذه الآية على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوم أحد، وقد شجّ في وجهه وأصيبت رباعيته، فهمّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن يلعن المشركين ويدعو عليهم، فأنزل الله عزّ وجلّ هذه


(١) سورة الأنعام: ٤٥.
(٢) سورة الأنفال: ٧.
(٣) سورة الحجر: ٦٦.
(٤) زيادة عن المسير: ٢/ ٢٧.
(٥) زاد المسير: ٢/ ٢٧، وتاج العروس: ٨/ ٢٢٩.
(٦) تفسير الطبري: ٤/ ١١٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>