للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَاعْفُ عَنْهُمْ تجاوز عنهم ما أتوا يوم أحد وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ حتي أشفعك فيهم وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ أي استخرج آراءهم فأعلم ما عندهم، وهو مأخوذ من قول العرب:

وشرت الدابة وشورته، إذا استخرجت جريه وأعلمت خبره وتفنن لما يظهر من حالها مستورا، وللموضع الذي يشور فيه أيضا يتولد، وقد يكون أيضا من قولهم: شرت العسل واشترته فهو مشور ومشار ومشتار إذا أخذته من موضعه واستخرجته منه.

وقال عدي بن زيد:

في سماع يأذن الشيخ له ... وحديث مثل ماذي مشار «١»

واختلف العلماء في المعنى الذي لأجله أمر الله تعالى نبيه صلّى الله عليه وسلّم بالمشاورة مع كمال عقله وجزالة رأيه وتتابع الوحي عليه ووجوب طاعته على أمته بما أحبوا وكرهوا.

فقال بعضهم: هو خاص في المعنى وإن كان عاما في بعض اللفظ، ومعنى الآية:

وشاورهم فيما يسر عندك فيه من الله عهد، ويدل عليه قراءة ابن عباس: وشاورهم في بعض الأمر.

قال الكلبي: يعني ناظرهم في لقاء العدو ومكان الحرب عند الغزو.

وروى عمرو بن دينار عن ابن عباس في قوله: وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ يعني أبا بكر وعمر رضي الله عنهما.

وقال مقاتل وقتادة والربيع: كانت سادات العرب إذا لم يشاوروا في الأمر شقّ عليهم، فأمر الله النبي صلّى الله عليه وسلّم أن يشاورهم في الأمر الذي يريده، فإن ذلك أعطف لهم عليه وأذهب لأضغانهم وأطيب لأنفسهم، وإذا شاورهم عرفوا إكرامه لهم وأن القوم إذا عزموا وأرادوا بذلك وجه الله تعالى عزم الله لهم على الأرشد.

قال الشافعي (رضي الله عنه) : ونظير هذا

قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «البكر تستأمر في نفسها» «٢»

[١٧٠] إنما أمرنا استئذآنها لاستطابة نفسها وإنها لو كرهت كان للأب أن يزوجها.

وكمشاورة إبراهيم (عليه السلام) ابنه حين أمر بذبحه.

وقال الحسن: قد علم الله أنه ما به إليهم حاجة ولكنه أراد أن يستنّ به من بعده، ودليل هذا التأويل ما

روى أبو حازم عن سهل بن سعد الساعدي قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما شقي عبد قط بمشورة وما سعد باستغناء برأي»

«٣» [١٧١] ، يقول الله عزّ وجلّ:


(١) كتاب العين: ٦/ ٢٨٠.
(٢) مسند أحمد: ١/ ٢١٩.
(٣) مسند الشهاب: ٢/ ٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>