للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كيسان ما كانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلى ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ من الإقرار حتى نفرض عليهم الجهاد والفرائض التي فيها تخليصهم، ليميّز بها بين من يثبت على إيمانه مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ.

الضحاك: ما كانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلى ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ في أصلاب الرجال وأرحام النساء، يا معشر المنافقين والمشركين حتى يفرّق بينكم وبين من في أصلابكم وأرحام نسائكم من المؤمنين.

وقال بعضهم: حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ وهو المذنب، مِنَ الطَّيِّبِ وهو المؤمن، يعني حتى يحط الأوزار من المؤمن ما يصيبه من نكبة ومحنة ومصيبة.

وَما كانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ لأنه لا يعلم الغيب أحد غيره وَلكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي يختار مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشاءُ بالغيب فيطلعه على بعض علم الغيب، نظيره قوله تعالى: عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ «١» .

وقال السدي: وما كان الله ليطلع محمدا صلّى الله عليه وسلّم على الغيب ولكن الله اجتباه فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ.

وروى الفضل بن موسى عن رجل قد سمّاه قال: كان عند الحجاج منجم فأخذ الحجاج حصيات لم يعدّهن وقال للمنجم: كم في يدي؟ فحسب فأصاب المنجم، ثم اعتقله الحجاج، فأخذ حصيات لم يعدّهن فقال للمنجم: كم في يدي؟ فحسب وحسب ثم أخطأ ثم حسب أيضا فأخطأ، فقال: أيها الأمير أظنك لا تعرف عددها في يدك؟ قال: فما الفرق بينهما؟ قال: إن ذلك أحصيته فخرج عن حد الغيب فحسبت وأصبت، وإن هذا لم يعرف عددها فصار غيبا ولا يعلم الغيب إلّا الله.

وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ.

من قرأ بالياء جعل هو [ابتداء] وجعل الاسم مضمرا وجعل الخير خيرا بحسبان تقديره:

ولا تحسبن الباخلون البخل خيرا لهم، فاكتفا بذكر (يَبْخَلُونَ) من البخل كما تقول في الكلام: قد قدم زيد فسررت به، وأنت تريد سررت بقدومه.

قال الشاعر:

إذا نهي السفيه جرى إليه ... وخالف والسفيه إلى خلاف «٢»

أي جرى إلى السفه ونظير هذا قوله: اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ»

هو


(١) سورة الجن: ٢٦- ٢٧.
(٢) تفسير القرطبي: ٤/ ٢٩٠.
(٣) سورة الأنفال: ٣٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>