للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقتلهم برفع اللام ويقول بالياء، اعتبارا بقراءة عبد الله ويقال ذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ أي النار، والنار اسم جامع للملتهبة منها وغير الملتهبة، والحريق اسم للملتهبة منها، وهو بمعنى المحرق كما يقال: عذاب أليم وضرب وجيع.

ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ فيعذب بغير ذنبه الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنا الآية.

قال الكلبي: نزلت في كعب بن الأشرف ومالك بن الصيف ووهب بن يهودا وزيد بن تابوه وفنحاص بن عازوراء وحيي بن أخطب، أتوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقالوا: يا رسول الله تزعم أن الله بعثك إلينا رسولا وأنزل علينا كتابا، فإن الله قد عهد إلينا في التوراة أن لا نؤمن لرسول يزعم أنه جاء من عند الله حَتَّى يَأْتِيَنا بِقُرْبانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ، فإن جئتنا به صدقناك «١» ، فأنزل الله عزّ وجلّ الَّذِينَ قالُوا يعني وسمع الله قول الذين قالوا

، ومحل (الَّذِينَ) خفض ردّا على الذين الأول إِنَّ اللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنا أي أمرنا وأوصانا في كتبه على ألسنة رسله.

أَلَّا نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ أي لا نصدق رسولا يزعم أنه جاء من عند الله حَتَّى يَأْتِيَنا بِقُرْبانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ فيكون ذلك دلالة على صدقه، والقربان كل ما يتقرب به العبد إلى الله عزّ وجلّ من زكاة وصدقة وعمل صالح، وهو فعلان من القربة مثل الرفعان من الرّفع [والغنيان] من الغنى، ويكون اسما ومصدرا فمثال الاسم: السلطان والبرهان، ومثال المصدر: العدوان والخسران.

وكان عيسى بن عمر يقرأ: قُرُبان فبضم الراء والقاف كما يقال في جمع ظلمة: ظلمات، وفي جمع حجرة: حجرات.

قال المفسرون: كانت القرابين والغنائم تحل لبني إسرائيل، فكانوا إذا قرّبوا قربانا وغنموا غنيمة فإن تقبل منهم ذلك جاءت نار بيضاء من السماء لا دخان لها ولها دوي وحفيف، فتأكل ذلك القربان وتلك الغنيمة وتحرقهما، فيكون ذلك علامة القبول، وإذا لم يقبل بقي على حاله.

وقال عطاء: كانت بنو إسرائيل يذبحون لله فيأخذون الثروب وأطائب اللحم فيضعونها في وسط البيت والسقف مكشوف، فيقوم النبي في البيت ويناجي ربّه، وبنو إسرائيل خارجون حول البيت، فتنزل نار فتأخذ ذلك القربان فيخر النبي ساجدا فيوحي الله عزّ وجلّ إليه بما شاء.

قال السدي: إن الله تعالى أمر بني إسرائيل في التوراة: من جاءكم من أحد يزعم أنه رسول فلا تصدقوه حتى يأتيكم بِقُرْبانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ حتى يأتيكم المسيح ومحمد، فإذا أتياكم فآمنوا بهما فإنهما يأتيان بغير قربان، قال الله تعالى إقامة للحجة عليهم قُلْ يا محمد قَدْ جاءَكُمْ يا معشر اليهود رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّناتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ من القربان فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ يعني زكريا


(١) أسباب النزول للواحدي: ٨٩ وتفسير القرطبي: ٤/ ٢٩٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>