وروى ابن أبي مليكة عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف: أنّ مروان بن الحكم قال لمولاه: يا أبا رافع اذهب إلى ابن عباس وقل له: إن كان كل امرئ منا يفرح بما أوتي وأحب أن يحمد لما لم يفعل معذبا لنغدين جميعا. فقال ابن عباس: ما لكم ولهذه الآية، إنما دعاء رسول الله اليهود فسألهم عن شيء فكتموه إياه وأخبروه بغيره وأروه أنهم أخبروه بما قد سألهم عنه، فاستحمدوا بذلك إليه وفرحوا بكتمانهم إياه ذلك، فنزلت هذه الآية.
قتادة ومقاتل: أتت يهود خيبر النبي الله صلّى الله عليه وسلّم فقالوا: نحن نعرفك ونصدقك وإنّا على رأيكم ونحن لكم ردأ، وليس ذلك في قلوبهم، فلما خرجوا من عنده قال لهم المسلمون: ما صنعتم؟
قال: عرفناه وصدقناه، فقال لهم المسلمون: أحسنتم هكذا فافعلوا، فحمدوهم ودعوا لهم فأنزل الله لهم هذه الآية.
وروى شعبة عن مغيرة عن إبراهيم قال: نزلت في ناس من اليهود جهّزوا جيشا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأنفقوا عليهم، وقرأها إبراهيم (بما أوتوا) ممدودا أي أعطوا.
وقرأ سعيد بن جبير أوتوا أي أعطوا.
قال الله فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفازَةٍ مِنَ الْعَذابِ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ. وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ.
عن عطاء بن أبي رباح قال: دخلت مع ابن عمر إلى عائشة رضي الله عنها فقال ابن عمر:
أخبريني بأعجب ما رأيت من رسول الله؟ فبكت فأطالت ثم قالت: كل أمر رسول الله عجب، أتاني في ليلتي فدخل معي في لحافي حتى ألصق جلده بجلدي ثم قال: يا عائشة هل لك أن تأذني لي في عبادة ربّي عزّ وجلّ؟ فقلت: والله يا رسول الله إني لأحبّ قربك وأحبّ هواك قد أذنت لك، فقام عليه الصلاة والسلام إلى قربة من ماء في البيت فتوضأ ولم يكثر صب الماء، ثم قام يصلي فقرأ من القرآن وجعل يبكي حتى بلغ الدموع حجره، ثم رفع يده فجعل يبكي حتى رأيت الدموع قد بلت الأرض، فأتاه بلال بصلاة الغداة فرآه يبكي فقال: يا رسول الله تبكي وقد غفر الله لك ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ؟ فقال: «يا بلال أفلا أكون عبدا شكورا» ثم قال:
«وما لي لا أبكي وقد أنزل الله تعالى في هذه الليلة عليّ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ.
الآية. ثم قال: ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها» «١» [٢١٠] .
وعن محمد بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما عن أبيه: أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان إذا قام من الليل يسوّك ثم ينظر إلى السماء ثم يقول: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إلى قوله فَقِنا عَذابَ النَّارِ.
(١) الدر المنثور: ٢/ ١١١.