للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال الشعبي: لا تأكله إلّا أن تضطر إليه كما تضطر إلى الميتة.

وقال آخرون: (بِالْمَعْرُوفِ) هو أن يأكله من غير إسراف ولا قضاء عليه فيما يأكل، ثم اختلفوا في كيفية هذا الأكل بالمعروف:

فقال عطاء وعكرمة والسدي: يأكل بأطراف أصابعه ولا يسرف في الأكل، ولا يكتسي منه.

وقال النخعي: لا يلبس الحلل ولا الكتان، ولكن ما سدّ الجوعة ووارى العورة.

وقال بعضهم: هو أن يأكل من ثمر نخيله ولبن مواشيه بالمعروف ولا قضاء عليه، فأما الذهب والفضة فلا، فإن أكله فلا بد من أن يرده، وهذا قول الحسن وجماعة.

قال قتادة: كان اليتيم يكون له الحائط من النخل فيقوم وليّه على صلاحه وسقيه فيصيب من ثمرته ويكون له الماشية، فيقوم وليه على صلاحها وعلاجها فيصيب من جزازها وعوارضها، فأما رقاب المال وأصولها فليس له أن يستهلكها.

وقال الضحاك: المعروف ركوب الدابة وخدمة الخادم وليس له أن يأكل من ماله شيئا.

وروى بكر بن عبد الله بن الأشج عن القاسم بن محمد قال: حضرت ابن عباس، فجاءه رجل فقال: يا ابن عباس إن لي أيتاما ولهم ماشية، فهل عليّ جناح في رسلها وما يحل لي منها؟

فقال: إن كنت ترد نادتها وتبغي ضالتها وتهنأ جرباها وتلوط حوضها «١» وتفرط لها يوم وردها، فاشرب من فضل ألبانها عنهم غير مضر بأولادها ولا تنهكها في الحلب.

قال بعضهم: المعروف هو أن يأخذ من جميع ماله، إذا كان يلي ذلك بقدر قيامه [وخدمته] وعمله وأجرته، وإن أتى على جميع المال ولا قضاء عليه، وهذا طعمة من الله تعالى له وبه.

قالت به عائشة وجماعة من العلماء، وقال محمد بن كعب القرظي مَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ: عن مال اليتيم ولا تأكل منه شيئا وأجره على الله وَمَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ يتقرم بتقرم البهيمة، وينزل نفسه بمنزلة الأجير فيما لا بد له منه والتقرم: الالتقاط من نبات الأرض وبقلها، ودليل هذا التأويل ما

روى ابن أبي نجيح عن المحسن العوفي عن ابن عباس قال: جاء رجل إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله إن في حجري يتيما أفأضربه؟ فقال:

«ممّا كنت ضاربا منه ولدك» [٢٤٤] قال: يا رسول الله أفآكل من ماله؟ قال: «بالمعروف غير متأثل من ماله ولا واقيا مالك بماله» » [٢٤٥] .


(١) هنأ الإبل: طلاها بالهناء وهو ضرب من القطران، ولاط الحوض: طلاها بالطين وأصلحه.
(٢) المصنف لابن أبي شيبة: ٥/ ١٦١.

<<  <  ج: ص:  >  >>