للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله عزّ وجلّ: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يعني يهود المدينة،

وقال ابن عباس: نزلت في رفاعة بن زيد بن السائب ومالك بن دخشم، كانا إذا تكلّم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لويا لسانيهما وعاباه، فأنزل الله تعالى هذه الآية.

يَشْتَرُونَ الضَّلالَةَ مختصر تقديره: ويشترون الضّلالة بالهدى وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا يا معشر المؤمنين، وقرأ الحسن تُضِلّوا، السَّبِيلَ أي عن السبيل.

وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدائِكُمْ منكم، فلا تستنصحوهم فإنهم أعداؤكم، ويجوز أن يكون أَعْلَمُ بمعنى عليم [كقوله تعالى: وَهُوَ أَهْوَنُ «١» عَلَيْهِ، وَكَفى بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفى بِاللَّهِ نَصِيراً. مِنَ الَّذِينَ هادُوا، فإنّ شئت جعلتها متصلة بقوله أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ ... مِنَ الَّذِينَ هادُوا، وإن شئت جعلتها منقطعة عنها مستأنفة، ويكون المعنى: من الذين هادوا من يحرّفون، كقوله: وَما مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ «٢» اي من له مقام معلوم، وقال ذو الرمّة:

فظلوا ومنهم دمعه سابق له ... وآخر يذري دمعة العين بالمهل «٣»

يريد: ومنهم من دمعه.

يُحَرِّفُونَ يغيّرون، الْكَلِمَ

وقال علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) : «الكلام عن مواضعه، يعني صفة محمد صلّى الله عليه وسلّم، وآية الرجم»

، وقال ابن عباس: كان اليهود يأتون رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ويسألونه عن الأمر فيخبرهم، ويرى أنّهم يأخذون بقوله، فإذا انصرفوا من عنده حرّفوا كلامه.

وَيَقُولُونَ سَمِعْنا قولك وَعَصَيْنا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ أي غير مقبول منك، وقيل: هو مثل قولهم: اسمع لا سمعت.

وَراعِنا: وارعنا، وقد مضت القصة في سورة البقرة، لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْناً قدحا فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنا مكان راعنا لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَقْوَمَ أصوب وأعدل، وَلكِنْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا. يا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ خاصة باليهود، آمِنُوا بِما نَزَّلْنا يعني القرآن، مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ

قال ابن عباس: كلّم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رؤساء من أحبار اليهود منهم عبد الله بن صوريا وكعب بن أسد، فقال لهم: «يا معشر اليهود اتقوا الله وأسلموا، فو الله إنّكم تعلمون أنّ الذي جئتكم به لحقّ» «٤» [٣٤٣] ، فقالوا: ما نعرف ذلك يا محمد وأنكروا وأصرّوا على الكفر، فأنزل الله عزّ وجلّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ آمِنُوا بِما نَزَّلْنا مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ.


(١) بياض في مصوّرة المخطوط، وما أثبتناه من تفسير القرطبي: ٥/ ٢٤٢. [.....]
(٢) سورة الصافات: ١٦٤.
(٣) تفسير الطبري: ٥/ ١٦٤.
(٤) صحيح البخاري: ٤/ ٢٦٠ بتفاوت.

<<  <  ج: ص:  >  >>