للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والقصاص لا يكون إلّا في قتل العمد فسمّاهم مؤمنين وآخى بينهم كقوله: فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ «١» فلم يرد به إلّا أخوة الإيمان، والكافر لا يكون أخا للمؤمن.

ثم قال ذلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ وذلك لا يلحق الكفار ثم أوجب على المعتدين بعد ذلك عذابا أليما بقوله فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ «٢» .

ولم يرد مع مثلها الغضب، ولا التخليد في النار ولا يسمى هذا العذاب نارا، والعذاب قد يكون نارا وقد يكون غيرها في الدنيا، ألا ترى إلى قوله يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ «٣» يعني القتل والأسر، والدليل عليه قوله يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ «٤» مخاطبا المقاتلين فخاطب به المصلين ولو كان القتل يخرجهم من الإيمان، لجاز مخاطبتهم به لذلك قال الله وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا واقتتال الطائفتين كان على العمد أو على الخطأ، والدليل عليه أيضا ما

روي عن النبي صلّى الله عليه وسلّم إنه كان يبلّغ أصحابه على أن لا يشركوا بِاللَّهِ شَيْئاً ولا يقتلوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وعلى ما في القرآن ممن فعل من ذلك شيئا، فكان عليه أجرا فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ، ومن كفر بالله فأمره إلى الله عز وجل إن شاء غفر له وإن شاء عذبه، ولو كان القاتل خارجا عن الإسلام.

لم يكن لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم معنى،

وروي أنّ مؤمنا قتل مؤمنا متعمّدا على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فلم يأمر القاتل بالإيمان من فعله ولو كان [كافرا] أو خارجا عن الإيمان. لأمره أولا بالإيمان.

وقال: لطالب الدم أتعفو؟ قال: لا ثم قال أتأخذ الدية؟ قال: لا، فأمره بقتله ثم أعاد عليه مرتين أو ثلاثة حتى قبل الدية ولم يحكم على القاتل بالكفر

، ولو كان ذلك كفرا لبينه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لأن بكفر كان قد حرم بها أهله عليه، ولم يجز على الرسول الإغفال عنه لأنه الناصح، الشفيق، المبعوث بالتأديب والتعليم.

وقد روي عن النبي صلّى الله عليه وسلّم إنه قال: «ثلاثة من أهل الإسلام. الكفّ عمّن قال: لا إله إلّا الله لا نكفره بذنب [ولا نخرجه من الإسلام بعمل] ، والجهاد ماض منذ بعثني الله إلى أن تقوم الساعة، والإيمان بالأقدار» «٥» .

ودليل آخر على إن القاتل لا يصير كافرا بالقتل وهو أن الكفر من الجحود وأيضا الشرك اضافة، والقاتل لم يجحد ولم قبول الفرائض ولا أضاف إلى الله شركاء، ولو جاز أن يكون كافرا من لم يأت بالكفر فجاز أن يكون مؤمنا من لم يأت بالإيمان [......] «٦» .


(١) سورة البقرة: ١٧٨.
(٢) سورة البقرة: ١٧٨.
(٣) سورة التوبة: ١٤.
(٤) سورة المائدة: ٦.
(٥) كنز العمال: ١٥/ ٨١١ ح ٤٣٢٢٦، والجامع الصغير: ١/ ٥٢٧ بتفاوت.
(٦) كلمة غير مقروءة.

<<  <  ج: ص:  >  >>