ومثله في القرآن كثير وقوله (ظالمي) ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ بالشرك، والنفاق، ونصب ظالِمِي على الحال من (تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ) في حال تحملهم أي شركهم قالُوا يعني الملائكة.
فِيمَ كُنْتُمْ أي في ماذا كنتم؟ سؤال تقريع وتوبيخ ويجوز أن يكون معناه: فيمن كنتم أفي المشركين أم في المسلمين؟
قالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ أي مقهورين عاجزين فِي الْأَرْضِ يعني أرض مكة فأخرجونا معهم كارهين قالُوا يعني الملائكة أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ يعني أرض المدينة واسِعَةً أي آمنة فَتُهاجِرُوا فِيها فتضلّوا بها وتخرجوا من بين أظهر مكة.
وروى سليمان بن عمرو عن عبد الله بن عثمان بن خثيم عن سعيد بن جبير في قوله أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها قال إذا عمل بالمعاصي في أرض فأخرج منها.
وروى سليمان بن عمرو عن عباد بن منصور بن الناجي عن الحسن قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من فرّ بدينه من أرض وإن كان شبرا من الأرض استوجب به الجنة وكان رفيق أبيه إبراهيم ونبيه محمد صلّى الله عليه وسلّم»«١»[٣٨١] .
فأكذبهم الله عز وجل وإنّما أنّهم كانوا مستطيعين الهجرة فقال فَأُولئِكَ مَأْواهُمْ أي منزلهم جَهَنَّمُ وَساءَتْ مَصِيراً أي بئس المصير إلى جهنم.
ثم استثنى أهل مكة منهم فقال: إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ يعني المؤمنين المخلصين المقهورين بمكة لم يستطيعوا الهجرة ومنعوا من اللحوق بالنبي صلّى الله عليه وسلّم ويتجهزون للحوق به مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ والْمُسْتَضْعَفِينَ نصب على الاستثناء من مأواهم لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً لا يقدرون على حيلة ولا قوة ولا نفقة للخروج منها وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا لا يعرفون طريقا إلى الخروج منها وقال: إنّما يعني طريق المدينة قال ابن عباس: كنت أنا وأمي من الذين لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا وكنت غلاما صغيرا فَأُولئِكَ الذين هم بهذه الصفة عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ أي يتجاوز وَكانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُوراً وفي هذه الآية دليل على إمكان قول من قال إن الإيمان هو الاقرار فقط وذلك إن هؤلاء القوم كانوا قد أضمروا الإقرار فلم ينفعهم ذلك بعد أن لم تكن سرائرهم موافقه لأقوالهم وَمَنْ يُهاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أي في طاعة الله يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُراغَماً كَثِيراً وَسَعَةً.
مجاهد: مُراغَماً كَثِيراً: أي متزحزحا على كره.
علي بن أبي طلحة: عن ابن عباس، وعليّ بن الحكم عن الضحاك: المراغم: السهول من الأرض إلى الأرض.
(١) تفسير مجمع البيان: ٣/ ١٧٢، وتفسير القرطبي: ٥/ ٣٤٧.