للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال أهل المعاني: معنى قوله (فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ) إن الله خلق الانعام لتركبوها وتأكلوها فحرموها على أنفسهم، وخلق الشمس والقمر والحجارة مسخرة للناس ينتفعون بها فعبدها المشركون فغيروا خلق الله وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطانَ وَلِيًّا أي ربّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فيطيعوه فَقَدْ خَسِرَ خُسْراناً مُبِيناً يَعِدُهُمْ إلا يلقون خيرا وَيُمَنِّيهِمْ الفقر ألّا ينفقون في خير ولا يصلون رحما، فقال يُمَنِّيهِمْ ان لا بعث ولا جنة ولا نار وَما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلَّا غُرُوراً أي باطلا أُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ يعني مصيرهم جهنم وَلا يَجِدُونَ عَنْها مَحِيصاً أي منعا قال عوف:

بلغني من المؤمن بكيده من الشيطان بأكثر من مضر لو أبدلهم الله له لمات، وإن قيل خبرونا عن قول إبليس لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبادِكَ نَصِيباً مَفْرُوضاً «١» كيف علم ذلك؟

يقال: قد قيل في هذا أجوبة، منها: إن قالوا إنّ الله تبارك وتعالى كان خاطبه بقوله لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ «٢» فعلم إبليس انه ينال من ذرية آدم ما يتمناه.

ومنها: ان قالوا إنه لما وسوس لآدم نال منه ما نال، طمع في ولده ولم ينل من آدم جميع ما يتمناه من الغواية فكذلك طمع في بعض ولده وأيس من جميعهم.

ومنها ان قالوا ان إبليس قد عاين الجنة والنار وعلم ان الله خلقهما لأن يسكنهما من الناس والشيطان، فعلى هذا التأويل قال لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبادِكَ نَصِيباً مَفْرُوضاً «٣» وإن قيل:

لخبرونا عن إضلال الشيطان هل إليه نجح فعله وإنفاذ أمره أم لا؟

يقال له: معنى إضلاله الدعاء إلى الضلالة والتزين له ولو كانت الضلالة إليه لأضل الخلق جميعا ولذلك منّ به أباهم وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ أي من تحت الغرف والمساكن خالِدِينَ فِيها أَبَداً وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا أي وهذا لَيْسَ بِأَمانِيِّكُمْ وَلا أَمانِيِّ أَهْلِ الْكِتابِ.

قال قتادة والضحاك: إن المسلمين وأهل الكتاب تناظروا، فقال أهل الكتاب: نبينا قبل نبيكم وكتابكم، ونحن أولى بالله منكم، فقال المسلمون: نحن أولى بالله منكم ونبينا خاتم النبيين، وكتابنا [يفي] على الكتب التي كانت قبله فأنزل الله تعالى لَيْسَ بِأَمانِيِّكُمْ الآية.

وقال مجاهد: قالت قريش: لا نبعث ولا نحاسب.

وقال أهل الكتاب لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً «٤» فأنزل الله لَيْسَ بِأَمانِيِّكُمْ وَلا أَمانِيِّ أَهْلِ الْكِتابِ.


(١) سورة النساء: ١١٨.
(٢) سورة هود: ١١٩.
(٣) سورة النساء: ١١٨.
(٤) سورة البقرة: ٨٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>