ومعناه: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا على الإيمان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلّم الذين هم في هذه القصة مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً، ويقال في الكلام للقائم: قم، وللقاعد: أقعد، والمراد منه الاستدامة.
ويقال: أنها خطاب للمنافقين الذين أصروا التكذيب ومعناها: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا في الملأ آمَنُوا في الخلاء، وقال آخرون: المراد منه الكفار يعني: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا باللات والعزى والطاغوت آمِنُوا بِاللَّهِ، ومعناه: إن كان لا بد للإيمان يعني فالإيمان بالله تعالى ورسله والكتب أحق وأولى من الإيمان بما لا يضر ولا ينفع ولا ينفق ولا يرزق ولا يحيي ولا يميت، والله أعلم.
ثم ذكر من لم يؤمن من أهل الكتاب، فقال: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا بموسى ثُمَّ كَفَرُوا بموسى ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا بعد عزير بالمسيح وكفرت النصارى بما جاء به موسى وآمنوا بعيسى بن مريم ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً بمحمد وبما جاء به.
قتادة: هم اليهود والنصارى آمنت اليهود بالتوراة ثُمَّ كَفَرُوا وآمنت النصارى بالإنجيل ثم كفرت وكفرهم هو [تكذيبهم] إياه، ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً بالقرآن وبمحمد صلّى الله عليه وسلّم وقال مجاهد: ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً أي ماتوا عليه لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ ما أقاموا على ذلك وَلا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا سبيل هدى.
وقال ابن عباس: يدخل في هذه الآية كل منافق كانوا على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
قال نحو ذكر ما في هذه الآية من الكلام على أهل القدر.
يقال لأهل القدر: خبرونا عن الكفار هل هداهم الله عز وجل إلى الإسلام؟ فإن قالوا:
نعم. قيل كيف يجوز أن يقال إن الله هداهم وقد قال الله تعالى وَلا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا؟ قيل:
ومعناه إنه لا يهديهم إلى طريق الجنة يقال لهم كيف يهديه إلى طريق الجنة وقد هداه عندك لأن من أصلك إن العبد إنما يدخل الجنة فمعناه أنه يدخل الجنّة لفعله ويدخل النار بفعله، وقد هداه إلى طريق الجنة بهدايته إلى الإسلام فكيف يصح هذا التأويل على أصلك؟
واعلم أنهم إذا ألزمهم الشيء، فقالوا في التأويل، فإذا فحصت عن تأويلهم بان لك فساد قولهم.
واعلم إن الله عز وجل قد بيّن لك إنه لا يهديهم سبيلا ليعلم العبد إنما يقال هدي بالله عز وجل ويحرم الهدى بإراده الله عز وجل ثم لا يكون لهم عاذر بنفي الهدى عنهم، ولا مزيلا للحجة بَشِّرِ الْمُنافِقِينَ نبّئهم يا محمّد بِأَنَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً.
قال الزجاج: بَشِّرِ أي اجعل في موضع بشارتك لهم العذاب الأليم، والعرب تقول:
تحيتك الضرب، وعتابك السيف، أي تضع الضرب موضع التحية [والسيف موضع العتاب] «١» .
(١) زيادة منّا لتمام المعنى.