للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ورسوله ورمى آدم بالمآثم، إنّ محمدا صلى الله عليه وسلّم والأنبياء كلهم صلوات الله عليهم في النهي عن الشعر سواء، قال الله تعالى وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَما يَنْبَغِي لَهُ ولكن لما قتل قابيل هابيل رثاه آدم وهو سرياني، وإنما يقول الشعر من تكلّم بالعربية فلمّا قال آدم مرثية في ابنه هابيل، وهو أوّل شهيد كان على وجه الأرض. قال آدم لابنه شيث: - وهو أكبر ولده ووصيّه-: يا بني إنّك وصيي، احفظ هذا الكلام ليتوارث فلم يزل يقل حتى وصل إلى يعرب بن قحطان وكان يتكلم بالعربية والسريانية وهو أول من خط بالعربية، وكان يقول الشعر فنظر في المرثية فإذا هو سجع، فقال إن هذا ليقوّم شعرا فردّ المقدم إلى آخره والمؤخر إلى المقدم فوزنه شعرا وما زاد فيه ولا نقص حرفا من ذلك قال:

تغيّرت البلاد ومن عليها ... ووجه الأرض مغبّر قبيح

تغير كل ذي طعم ولون ... وقلّ بشاشة الوجه الصبيح

وقابيل أذاق الموت هابيل ... فوا حزني لقد فقد المليح

ومالي لا أجود بسكب دمع ... وهابيل تضمّنه الضريح

بقتل ابن النبي بغير جرم ... قلبي عند قلبه جريح

أرى طول الحياة عليّ غمّا ... وهل أنا من حياتي مستريح

فجاورنا عدوّا ليس يفنى ... عدوما يموت فنستريح

دع الشكوى فقد هلكا جميعا ... بهالك ليس بالثمن الربيح

وما يغني البكاء عن البواكي ... إذا ما المرء غيّب في الضريح

فبكّ النفس منك ودع هواها ... فلست مخلدا بعد الذبيح

فأجابه إبليس في جوف الليل شامتا:

تنحّ عن البلاد وساكنيها ... فتى في الخلد ضاق بك الفسيح

فكنت بها وزوجك في رخاء ... وقلبك من أذى الدنيا مريح

فما انفكت مكايدي ومكري ... إلى أن فاتك الخلد الرّبيح

فلولا رحمة الجبّار أضحى ... بكفك من جنان الخلد ريح «١»

وقال سالم بن أبي الجعد: لما قتل هابيل مكث آدم (عليه السلام) مائة سنة لا أكثر. ثم أتى فقيل: حيّاك الله وبياك أي ضحّكك، ولما مضى من عمر آدم مائة وثلاثون سنة وذلك بعد قتل هابيل بخمس سنين ولدت له حوّاء شيثا وتفسيره: هبة الله، يعني إنه خلف من هابيل،


(١) تاريخ بغداد بتفاوت: ٥/ ٣٣٦ ترجمة رقم: ٢٨٦٨
.

<<  <  ج: ص:  >  >>