للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهذا غير صحيح، فإنهم إنما سألوا بناء على ما علموا من استباحة مخالطتها في المأكل والمشرب والفراش، وإنما سألوا عن الوطء فقط، فلا يجوز أن تكون الآية دالة على الاعتزال المطلق، مع ما ذكرناه.

وإنما معنى الآية: قل هو أذى فاعتزلوا إتيان النساء في المحيض، أو وطء النساء في المحيض، فهو مضمر محذوف دل عليه ما بعده وهو قوله تعالى:

(وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ) .

فمد التحريم إلى غاية التحليل، فذكر بعد الغاية الإتيان، فدل أن المحرم قبله هو الإتيان فقط.

ويدل عليه حديث حماد بن سلمة عن ثابت بن أنس، أن اليهود كانوا يخرجون الحائض من البيت، ولا يؤاكلونها ولا يجامعونها في بيت، فسئل النبي عليه السلام عن ذلك، فأنزل الله تعالى: (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً) ، فقال صلى الله عليه وسلم: «جامعوهن في البيوت وافعلوا كل شيء إلا النكاح» «١» ..

وروي عن عائشة أن النبي عليه السلام قال لها: «ناوليني الخمرة، فقالت: إني حائض، فقال: ليست حيضتك في يدك» «٢» ..

وذلك يدل على حل كل عضو ليس فيه حيض، فهذا يدل على معنى الآية..


(١) أخرجه مسلم والترمذي وتقدم بتمامه، والمراد بالجماع في البيوت المخالطة.
(٢) أخرجه ابن ماجة في سننه عن عائشة رضي الله عنها، والخمرة ما توضع عليه الجبهة من حصير أو ثوب في السجود، وهو في مسلم في كتاب الحيض.