للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الغارة والحرب، أو في دار السلام إلا أنه في الحرب والغارة، فعليه كفارة ولا دية في ظاهر المذهب.

ولا شك أن ذلك بعيد عن قياس الأصول، لأن الجهل بصفة الشيء لا يسقط ضمانه إذا كان مضمونا، ومن أجله صار صائرون إلى وجوب الضمان، وذكروا أن السكوت عن ذكر الضمان لا يسقط الضمان، فإن قوله تعالى: (وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً) ، يتناول كل مؤمن، لبيان أنه لا يجب فيه دية تسلم إلى أهله، فإن أهله كفار، فأراد أن يتبين به أن أهله لا يستحقون من ديته شيئا، وأنه ليس لأهله أن يصدقوا، فإنه لا حق لهم في ديته.

وهذا بين ليكون جمعا بين دلالة السكوت ودلالة العموم.

قوله تعالى: (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها) «١» .

ظن أصحاب أبي حنيفة، أن الله تعالى نص على حكم الخطأ، وأوجب التحرير فيه في ثلاثة مواضع، ثم قال من بعدها من غير فصل:

(وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ) ، فإيجاب الكفارة فيها «٢» خلاف الظاهر.

والجواب عنه: أن الله تعالى ذكر في الخطأ تمام ما أوجب فيه، ثم أبان للعمد مزية على الخطأ وذكر تلك المزية، وذلك لا ينفي إيجاب ما وجب في الخطأ، كما لا ينفي إيجاب الدية وإن وجبت في الخطأ، وإنما أوجب الله تعالى الكفارة في الخطأ، تعظيما لأمر الدم في مقابلته بالكفارة،


(١) سورة النساء آية ٩٣.
(٢) أي في العمد.