للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وذلك يقرب من أحد تأويلي قوله عز وجل: (وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ) .

وقد ظن قوم أن المراد به، المؤاخذة في الآخرة، فتجب الكفارة في الدنيا، وليس على ما ظنوه، فإنه تعالى قال في موضع آخر:

(لا يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ فَكَفَّارَتُهُ) «١» .

فذلك يدل على أن المؤاخذة المذكورة في القسم الثاني، هي المتيقنة في القسم الأول.

وظن أبو حنيفة، أن قوله عقدتم، يدل على ما يتصور عقد العزم عليه من الأفعال، حتى يخرج منه اليمين على الماضي، وذلك إن صح له، فيخرج منه الأيمان على فعل الغير، وحنث النسيان وغيرهما، فالأقرب في معانيه، ما قالته عائشة وهو مذهب الشافعي..

قوله تعالى: (لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ «٢» مِنْ نِسائِهِمْ تَرَبُّصُ «٣» أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ) (٢٢٦) :

ليس في نظم القرآن ما يدل على الجماع، ولا على الحلف على مدة معلومة، وإنما قال: (لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ ... تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ) .


(١) سورة المائدة آية ٨٩.
(٢) الإيلاء لغة كما يقول الراغب: الحلف الذي يقتضي النقيصة في الأمر المحلوف فيه من قوله تعالى: (وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ) ، وفي الشرع عبارة عن الحلف المانع عن جماع المرأة: «آلوسي» فمعنى يؤلون: يحلفون على ترك جماع نسائهم.
(٣) التربص: الانتظار ومنه قوله تعالى: (قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ) ، أي انتظروا فانا من المنتظرين معكم، ومعنى الآية: فان رجعوا عما حلفوا عليه من ترك معاشرة نسائهم فان الله غفور رحيم لما حدث منهم من اليمين على الظلم.