للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإن الله تعالى أخبر أنه اختاره عليهم لعلمه وقوته، وإن كانوا أشرف منه نسبا، وذكر الجسم ها هنا، كناية عن فضل قوته، لاقتران فضل القوة بزيادة الجسم غالبا، ولم يرد به عظم الجسم بلا قوة، لأن ذلك لاحظ له في القتال، بل هو وبال على صاحبه إذا لم يكن به قوة فاضلة..

قوله: (فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ «١» غُرْفَةً بِيَدِهِ) (٢٤٩) .

وذكر أبو بكر الرازي من أصحاب أبي حنيفة في أحكام القرآن: أن ذلك يدل على أن الشرب من النهر، إنما يكون بالكرع فيه، ووضع الشفة عليه، لأنه كان حظر الشرب منه إلا لمن اغترف غرفة بيده، وهذا يدل على أن الاغتراف منه ليس بشرب، وهو تصحيح لقول أبي حنيفة فيمن قال:

«إن شربت من ماء الفرات فعبدي حر» ، أنه محمول على أن يكرع فيه، فأما إذا اغترف منه أو شرب بإناء لم يحنث» .

وهذا بعيد، فإن الله تعالى أراد ابتلاءهم بالنهر، ليتبين المحقق بنيته في الجهاد من المعذر، فمن شرب منه- أي من مائة- فأكثر، فقد عصى الله تعالى، ومن اغترف غرفة بيده أقنعته.

فهجموا على النهر بعد عطش شديد، فوقع أكثرهم في النهر، وأكثروا الشرب، فإن بذلك ضعف نيتهم في أنهم يجبنون عن لقاء العدو،


(١) الاغتراف: الأخذ من الشيء باليد وبآلة، ومنه المغرفة والغرفة بضم أوله الشيء المغترف. وبفتحه المرة الواحدة من الاغتراف، وقال الحرالي: «في قراءة فتح الغين اعراب عن معنى افرادها، آخذة من قليل أو كثير، وفي الضم اعلام بملئها» أهـ.