ثلاثة أقراء كاملة، إذا كان الطلاق في حالة الطهر، فلا يكون ذلك حملا على المجاز بوجه ما، وهذا نظر دقيق في غاية الاتجاه لمذهب الشافعي.
وأكثر ما يرد على هذا الكلام وجوه:
منها: أن ذلك خلاف ما قالته عامة العلماء، من أن القرء طهر أو حيض، وذلك إحداث قول ثالث.
وهذا لا وجه له، فإن القرء حقيقة في الانتقال، ثم اختلف العلماء في المراد من الانتقال: فإنه متردد في اللغة بين الحيض والطهر، فأما أن يكون القرء اسما لنفس الطهر، أو اسما لنفس الحيض حقيقة فلا، والدليل على موضع الاشتقاق قولهم: قرأ النجم: إذا طلع، وقرأ النجم إذا أفل، بمعنى تبدل الأحوال عليه.
نعم وضع اللغة يقضي أن يكون انتقالها من الطهر إلى الحيض قرءا ومن الحيض إلى الطهر قرءا ثانيا، ومن الطهر الثاني إلى الحيض الثاني قرءا ثالثا، وتنقضي عدتها بدخولها في الحيضة الثالثة، غير أن تحريم الطلاق في خاصة الحيض دل على أن ذلك الانتقال- وهو من الحيض إلى الطهر- ليس مرادا بالآية.
ويمكن أن يذكر في ذلك شيء لا يبعد فهمه من دقائق حكم الشريعة، وهو أن الانتقال من الطهر إلى الحيض، إنما جعل قرءا لدلالته على براءة الرحم، فإن الحامل لا تحيض في الغالب، فحيضتها علم على براءة رحمها، والانتقال من حيض إلى طهر بخلافه، فإن الحائض يجوز أن تحبل من أعقاب حيضتها، وإذا تمادى أمد الحمل، وقوي الولد انقطع دمها، ولذلك تمدح العرب بحبل نسائهم في حالة الطهر، ومدحت عائشة رسول الله بقول تأبط شرا: