للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأقوى ما قيل في رد شهادة العبيد من دلالة كتاب الله تعالى، أن الله تعالى جعل الشهادة منصبا، وجعل الشاهد قواما بالقسط لإحياء حقوق المسلمين، فقال: (كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ) «١» .

وإنما يبين معنى كونه ناهضا به، إذا دعي إليها وأجاب ووجبت عليه الإجابة، كما قال تعالى: (وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا) .

ولا يتصور استقلال العبد بهذا المعنى، لكونه ممنوعا من الخروج إلى القاضي، وتصحيح دعوى المدعى، ولأجل ذلك لم يجعل أهلا للولاية في حق أولاده، لأنها تستدعي القيام بالنظر، ولا يتأتى ذلك مع قيام الرق، فلم يثبت له المنصب.

والمرأة في معنى الاستقلال، لما كانت دون الرجل، أثر ذلك في شهادتها وولايتها جميعا، ولكن لا يسلب الأمران عنها.

ولأجل ذلك لم يكن العبد مساويا للحر في الجمعة «٢» حتى لا تنعقد به، فإنها تستدعي أسبابا لا تتهيأ للعبد.

ولأن الشهادة منصب أخذ على الشاهد فيه تخير ضروب من الوقار وحفظ الحرمة، حتى يتخير من الحرف أعلاها وأولاها، ومن الأفعال أرتبها وأحسنها، ولا تخير من العبد أصلا، فإن السيد يصرفه كيف شاء، في دنيات الأعمال وعليتها، فليس يؤهل لمنصب لا يستقل به، ولذلك لم يكن وليا ولا حاكما.

وقد جمع الله تعالى بين درجة الشاهد والحاكم فقال: (كُونُوا)


(١) سورة النساء آية ١٣٥.
(٢) لعلها: حيث.