لكم وهو أرحم الراحمين، وبلغت رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فزاد حذيفة عنده خيرا.
فأما قول من قال: إنه منقطع من كل وجه، وليس فيه معنى الاستثناء بوجه ما فهو بعيد، فإنه مكابرة النص، وإلا لا بد أن يتحقق معناه على بعض الوجوه، إما مجازا وإما حقيقة، فأما إبطال وجه المجاز والحقيقة فتعطيل لا تأويل.
والذي ذكره من المعنى الثاني يقتضي أن يكون قتله مباحا من جهة الله تعالى إذا ظنه مشركا، وإذا ظنه مشركا فهو يتعمد قتله ولا يراه خطأ، وإذا قال الله تعالى:(وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلَّا خَطَأً) يقتضي أن يقال إنما يباح إذا وجد بشرط، وشرط الإباحة أن يكون خطأ، وإذا أبيح له على شرط، فلا بد وأن يعلم وجود الشرط حتى تصح الإباحة، ولا يتصور أن يعلم أنه خطأ، فإنه لو علمه خطأ علم التحريم، فدل أن القتل ليس مباحا في هذه الحالة، فإنه لو كان مباحا كان مباحا على شرط، والشرط يجب أن يعلمه من أبيح له، ولأن من يجوز له دفعه عن نفسه، فكيف يكون مباحا له؟ ودفعه جائز، والذي أباحه الله تعالى، هو الذي إذا علم المرء حقيقة الحال كان مباحا، ويكون مباحا لمصلحة في النفس، وقتل المسلم المعصوم ليس من مصلحة حال، فليس مباحا إذن، فأقرب قول فيه أن يقال:
قوله تعالى:(وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً) ، اقتضى تأثيم قاتله لاقتضاء النهي عن ذلك، فقوله إلا خطأ دفع المأثم عن قاتله، فإنما دخل الاستثناء على ما تضمنه اللفظ من استحقاق المأثم، وأخرج منه قاتل الخطأ بالاستثناء، فالاستثناء مستعمل في حقيقته على هذا الوجه، فإنه يرجع إلى المأثم الذي هو يتضمن القتل.