للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ويصعب عليه الفرق بين الصغر والجنون فإنهما ينافيان التكليف وليس اسم المرض متناولا له..

وأبو حنيفة يقول: قوله تعالى: (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) لا يمكن أن يراد به شهود جميع الشهر لأنه لا يكون شاهدا لجميع الشهر إلا بعد مضيه كله، ويستحيل أن يكون مضيه شرطا للزوم صومه كله، لأن الماضي من الوقت يستحيل فعل الصوم فيه، فعلم أنه لم يرد شهود جميعه، فتقدير الكلام عنده: فمن شهد منكم بعض الشهر فليصم ما لم يشهده منه، وهذا بعيد جدا..

ومالك يقول: شهد أي أدرك، كما يقال: شهد زمان النبي عليه السلام أي أدرك، والمجنون قد أدرك ذلك الزمان فلزمه الصوم لزوما في الذمة..

قوله تعالى: (فَلْيَصُمْهُ) :

والصوم في اللغة: الإمساك المطلق، غير مختص بالإمساك عن الأكل والشرب دون غيرهما، بل كل إمساك فهو مسمى في لغة صوما، غير أن الله تعالى أحل الأكل والشرب والجماع إلى أن يصبح، ثم أمر بإتمام الصوم إلى الليل، ففحوى الكلام تحريم أباحه الليل وهو الأشياء الثلاثة، ولا دلالة فيه على غيرها بل هو موقوف على الدليل، ولهذا ساغ الإختلاف فيه واختلف فيه علماء السلف.

وأما الحيض والاستقاء فلمنافاتهما للصوم، فلا يعلل «١» أصلا، فقاس قوم الجنابة على الحيض، وقاس قوم الحجامة على الاستقاء، لأنهما استخراج الفضلة من البدن..


(١) لعلها لا تعلل، وذلك لأن الصوم مما يدخل الى الجوف لا مما يخرج من منافذ الجسم، ولعل العلة ما يترتب على كل منهما من الضعف الذي يشق معه الصوم.