فالجواب، أن ثبوت النسب إنما يجب أن نعرفه، لما يتعلق به من الأحكام الشرعية، فأما من جهة العقل فلا يلزم ذلك، فإن عرف المرء بالظاهر أن الابن مخلوق من مائه سرّ به، وإلا لم يجب أن يعرف ذلك، وإذا كانت الأنساب لا يجب معرفتها عقلا، ولا حكم يجب أن يتعلق بها من جهة العقل، لولا العلم بها لما تم، فمن أين أن العقل المؤدي إلى الجهل بالأنساب يقبح.
ولئن قيل: إذا لم يتخصص الولد بوالد، فمن يربي الولد وينهض بكفايته؟
فيقال: وحيث قيل هذا أب، لم يجب عقلا أن يقوم بكفايته، وتولده من مائه من أين أوجب عليه عقلا أن يقوم بمئونته وكفايته وتربيته؟
نعم إن ذلك تلقى من السمع.
وحيث لا يكون كذلك، فيجب على الناس عقلا السعي فيما فيه صلاحهم وبقاء جنسهم، وهذا بين.
وإذا ثبت ذلك، فقد اختلف العلماء في مسائل، وأن اسم الزنا هل يتناولها؟ وليس نعني به أن يتعرف ذلك من جهة اللغة، ولكن الزنا صار في الشرع اسما لمحظور خاص، فهل نقول إن ذلك المحظور هل وجد، فنرجع الخلاف إليه؟ مثل قولنا: المجامع في الدبر هل يكون زانيا؟ وواطئا أمه وأخته وابنته باسم النكاح؟ هل يكون تحريم فعله كتحريم فعل من زنا بأجنبية أو زنا بها قبل النكاح حتى يسمى زنا «١» ؟
واختلفوا في أحكام شرعية لاختلاف عقائدهم في أنها متعلقة باسم الوطء، أو بمعنى يختص به الحلال، مثل تحريم المصاهرة.
(١) أنظر تفسير القرطبي لهذه الآية من سورة النور، وأحكام القرآن للجصاص.