للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الرابعة: اختلفوا في أنه: هل يثبت الجرحُ والتعديلُ بقول ِ واحدٍ، أو لا بد من اثنين؟ فمنهم من قال: لا يثبت ذلك إلا باثنين كما فية الجرح والتعديل في الشهادات، ومنهم من قال - وهو الصحيح الذي اختاره " الحافظ أبو بكر الخطيب (١) " وغيره -: أنه يثبت بواحدٍ؛ لأن العددَ لم يُشترَط في قبول الخبر، فلم يشترط في جرح راويه وتعديلِه، بخلاف الشهادات (٢). والله أعلم *.


(١) الكفاية: باب القول في العدد المقبول تعديلهم لمن عدلوه (٩٧).
(٢) طرة على ورقة ملصقة بالأصل (غ) بخط ابن الفاسي:
[قال القاضي عياض: اختلف المحدثون والفقهاء والأصوليون في باب الخبر وباب الشهادة: إذا عدل معدلون رجلا وجرحه آخرون؛ فالجرح أولى، وحكوا في ذلك إجماع العلماء مع الحجة بأن المجرح زاد ما لم يعلم المعدل، وهو بين، ولا خلاف في هذا إذا كان عدد المجرحين أكثر. فإن تساووا فكذلك عند " القاضي أبي بكر " والجمهورِ، وذهب بعض المالكية إلى توقف الأمر عند التكافؤ، وقيل: يُقْضَى بالأعدل. فإن كان عدد المعدلين أكثر؛ فالجمهور على تقديم الجرح؛ للعلة المتقدمة. وذهبت طائفة إلى ترجيح التعديل. قال " الباجي ": وهذا عندي يحتاج إلى تفصيل، فإذا قال المعدل: هو عدل رَضِيٌّ، وقال المجرح: فاسق رأيته أمس يشرب الخمر، فلا تنافي بين الشهادتين، وقد أثبت هذا فسقًا لم يعلمه الآخر. فأما لو قال المعدل: ما فارقني أمس من الجامع، ومثل هذا؛ فقد تعارضت الشهادتان " ولعل توقف مَن توقف من أصحابنا؛ لهذا الوجه. وقال " اللخمي ": إذا كان اختلافهما في ذلك عن كلام قاله في مجلس أو فعل فعله؛ قضى بالأعدل لأنه تكاذب - وهذا نحو ما أشار إليه " الباجي " - وإن كان عن مجلسين متباينين غلب الجرح. وإليه يرجع قول الجمهور. وإن تباعدت شهادة المعدل من شهادة المجرح، قضى بأخراهما، وهذا مما لا يختلف فيه، إلا أن يعلم أنه كان حين شهد عليه بتقديم الجرح، ظاهر العدالة إذ ذاك حسب ما هو عليه الآن، فيغلب الجرح. قال القاضي: ثم نرجع إلى الأصل عند تعارض الشهادتين؛ فإن كان قبلُ محمولا على العدالة وجاءت بعدُ مثل هذه الشهادة مضت عدالته على ما تقدم له وعرف من حاله؛ إذ سقطت الشهادتان. وإن كان على غير ذلك؛ بقي على حكمه الأول، وهل يترجح العارض مع القول بالتوقف بالكثرة على الخلاف المتقدم؟ ... ].
وانظر في (الكفاية): باب ما يستوي فيه المحدث والشاهد من الصفات وما يفترقان فيه (٩٤ - ٩٦).

<<  <   >  >>